حوار مع المهندسة رضوى رستم

المقتطف:

تحطّ رحال رحلتنا الحوارية على أرض الكنانة “مصر”؛ لنحاور الرائدة في مجالها المهندسة المصرية، والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة هاند أوفر (رضوى رستم)، التي رُشحت مؤخراً لجائزة (تمييز) للنساء في العمارة والتشييد، كمرشحة جديرة بالثناء والإشادة عن فئة النجمات الصاعدات. أعزاؤنا القراء… متابعة طيبة.

لمحة عن الضيف:

درست الهندسة المدنية في جامعة عين شمس أسست شركة هاند أوفر لتوفير الحلول الإنشائية البديلة الصديقة للبيئة عام (2016)
المهندسة المصرية رضوى رستم

1- نرحب بك أستاذة رضوى كما هو مذكور بإعلان الجائزة أنك حصلت عليها عن تأسيسك للمشروع الناشئ _ستارت أب_ (هاند أوفر).. نود أن تشرحي لنا كيف بدأت (هاند أوفر) وما الذي مهد لفكرة ظهور المشروع ؟

منذ بداية دخولي للمهنة، كان لدي اهتمام خاص بطرق البناء الصديقة للبيئة، وكنت أواصل البحث في هذا المجال ، ومع الوقت أصبح لديّ معرفة جيدة في أساليب البناء البيئية، إلى أن حصلت على منحة في ألمانيا متخصصة في الأعمال الشابة التطوعية التي تهدف لتنمية المجتمعات في البيئات التي ينتمي لها المنتسبون، فقمت بتقديم مشروع بناء وحدات سكنية للفئات المجتمعية الأكثر حاجة، بحيث تكون هذه الوحدات السكنية بيئية وتلبي احتياجات هذه الفئات، وهناك تعلّمت كيفية تحويل الفكرة إلى مشروع والإعداد والتخطيط له، وبعد عودتي من ألمانيا توجّب عليَّ تنفيذ أحد متطلبات المنحة، أي أن يتم تنفيذ فكرة المشروع الذي طرحته خلال مدة (10) أشهر من أجل اختبار مدى فاعلية الفكرة وديمومتها، وكان من المفترض أن أقوم بتجربة فكرتي عن طريق إنشاء وحدة سكنية، حيث اخترت أحد المنازل المتردية والآيلة للسقوط في القاهرة، وقمت بإعادة بناء المنزل باستخدام مواد طبيعية كالطين، وكان التحدي الأول هو إقناع الأهالي بفكرة البناء بهذه المواد بدلاً من الخرسانة والمعدن، والَّلتين تكوَّنت حولهما فكرة أنها المواد التي تبنى بها مساكن الطبقة الراقية والمرفهة والتي يحاول باقي أفراد المجتمع التمثل بها، لذلك، صُدموا في البداية بقرار البناء بمواد تقليدية كالطين ولكن وضحت لهم مميزات التنفيذ بهذه المواد. كنت أقوم بهذا المشروع كعمل ثانوي إلى جانب عملي الاعتيادي في مجال الإنشاء، وبعد ذلك سافرت إلى الهند للحصول على تدريب في مجال البناء بالتراب والطين؛ لكون الهند دولة رائدة في هذا المجال ولدى عودتي من مصر، بحثت عن الخبراء بأساليب إنشاء المواد التقليدية، فقدموا لي المشورة. وفي بداية ظهور فكرة المشروع، كنت أعلم أنني لن أقوم بالمشروع وحدي، وأنني بحاجة فريق مؤلف من متخصصين في مجالات مختلفة، حيث كانت الفكرة في تسمية المشروع (هاند أوفر) مستمدة من طبيعة الفريق المكون من اختصاصات مختلفة تتعاون لتنفيذ مشاريع تخدم مجتمعاتها. في البدايات، كنت أسعى للحصول على خبرة في مجال التنمية أيضاً كون مشروع (هاند أوفر) هو تقاطع لثلاثة مجالات: الإنشاء والبيئة والتنمية، فعندما شعرت أنني قد خضت تجارب في المجالات الثلاثة، مضيت في التأسيس الرسمي للمشروع كشركة ناشئة، كما كان فوزنا في أحد المسابقات يتطلب من فريق (هاند أوفر) أن يكون جهة معترف بها كشركة مسجلة، فقمنا بتسجيل شركة (هاند أوفر) لدى الجهات الرسمية وهنا كانت البداية.
مشروع وحدة سكنية في منطقة العزبة
مشروع وحدة سكنية في منطقة العزبة
مشروع وحدة سكنية في منطقة العزبة
مشروع وحدة سكنية في منطقة العزبة

2- لقد حصلتِ على إجازة في الهندسة المدنية، ولكن ما نراه في المشاريع التي تقوم (هاند أوفر) بتنفيذها ينم عن وجود تفكير معماري مسؤول عن تصميم هذه المباني وليست مجرد فراغات يتم إنشاؤها بواسطة مهندس إنشائي. هل دخلتِ إلى عالم العمارة وتصميم المباني كي تشاركي في تصميم هذه المشاريع؟ أم أن ما يُصمَّم هو أمر متروك للمعماريين المتخصصين ضمن فريق العمل ولم تفكري في الدخول إلى عالم التصميم والعمارة؟

لدينا في فريق العمل متخصصين في مجال العمارة والتصميم، وما ينفَّذ هو نتاج لتعاون فريق العمل متعدد التخصصات. شخصياً… لم أدخل لعالم التصميم أو العمارة، وأترك الأمر للمتخصصين من فريق العمل، وأرى في العمارة صعوبة في الدخول لعالمها من دون أن يكون هناك تأهيل أكاديمي لممارستها وفهمها، أود الإشارة إلى أن كل ما حصلت عليه المشاريع المصممة من جوائز باسمي تعود بالتأكيد لكل أفراد فريق عمل (هاند أوفر)، ومن الأمور التي اتبعها هي ألّا أغرق كل الوقت في الأمور التقنية والتفاصيل في مشاريع (هاند أوفر)، بل التركيز في إدارة المشروع وفريق العمل بشكل متكامل وإدارة خط سير العمل.
صورة لفريق عمل هاند أوفر

3- ما هي معايير اختيار المعماريين في فريق عمل (هاند أوفر)؟

لدينا اهتمام خاص باستقطاب المعماريين الشباب الذين يملكون الشغف في العمل في مجالات خارج الصندوق والمعتاد. نبحث عن الشخص الذي يملك الإرادة والشغف في مجاله أكثر من مجرد امتلاكه للمؤهلات التقنية التي نرى أنه يمكن أن يتعلمها من خلال العمل معنا. وأن يكون على دراية بطبيعة العمل ضمن عمل ناشئ (ستارت أب)، وأن يكون ذا مسؤولية ومندمجاً ومعنياً ومنتمياً لعائلة الفريق، لديه قابلية التعلّم والتطوير الذاتي.

4- تصف جائزة (تمييز) أعمالكم في (هاند أوفر) بالاقتصادية والبيئية، ولكي نوضح للقراء... ما الذي يجعل مشاريع (هاند أوفر) ذات جدوى اقتصادية وبيئية؟

من الأهداف الرئيسية ل(هاند أوفر) هي تقديم منشآت اقتصادية وصديقة للبيئة، وما نقوم به هو العودة لطرق البناء التقليدية مع مواكبة التطورات التي طرأت على طرق تنفيذ هذه المواد، ونحاول أن نضيف على هذه الأساليب وتطويرها عن طريق إجراء التجارب على مختلف مواد البناء الصديقة للبيئة. من الأمور الهامة؛ هي أننا نستخدم المواد من الموقع نفسه بحيث تكون ملائمة لسياق المشروع، ونتجنب مواد ذات أداء بيئي ضئيل كالإسمنت والفولاذ.

5- كيف ساهمت (هاند أوفر) عن طريق مشاريعها في إشراك المجتمع بعملية البناء؟... برأيك ماذا لو تحققت هذه المشاركة المجتمعية في البناء على نطاق واسع فعلاً؟

دوماً نقوم بتوظيف العمال من المنطقة، فهدفنا أن نعلّم الأفراد من المجتمع المحلي طريقة البناء هذه، بحيث يمتلك المشاركون بعد انتهاء المشروع حرفة جديدة تدرّ عليهم عائداً إضافياً. طرق البناء هذه تتطلب عمالة كثيرة أصلاً، فمن الجيد أن تعود الموارد المالية المخصصة لتشغيل العمال إلى المجتمع نفسه بطريقة غير مباشرة، ودوماً قبل البدء بالمشروع يتم تعيين أفراد محليين من المكان نفسه، نقوم بتدريبهم بضعة أيام بحيث يشكلون النواة الأساسية من فريق العمل في المشروع، وعلى جانب آخر، نقوم بورشات عمل تدريبية، بحيث يشارك طلاب جامعيين أو أيّاً من الأشخاص المهتمين بهذا المجال، وتتم هذه الورشات بمناطق خارج القاهرة على مدى أسبوع أو عشر أيام، تمكّن هذه الاختبارات المشاركين من فهم المادة، وعادة ما يُنفَّذ عنصر صغير كعنصر جلوس أو جدار أو غيرها، بحيث يرصد المشارك العملية كاملةً وفي بعض الأحيان يشارك الطلاب بالمشاريع الكبيرة قبل مرحلة التنفيذ بشكل بسيط ولكن هذه المشاركات غالباً تقتصر على ورشات العمل لتنفيذ أحد العناصر. أحد المشاريع التي قمنا بتنفيذها هو عيادة مجتمعية في منطقة (سانت كاترين) في سيناء تخدم أهالي المنطقة، والمشروع يتضمن نوعين من الإنشاء: الإنشاء بالحجر والإنشاء بالتربة المدكوكة. أحد أسباب اختيارنا لمادة الحجر؛ أنه متوافر في المنطقة بصورة كبيرة، بالإضافة لإتقان السكان المحليين العمل بالحجر على عكس معرفتهم بالتربة المدكوكة، الأمر الذي جعل في هذا المشروع نوعاً من المنفعة المتبادلة، حيث استفدنا من مهاراتهم وخبراتهم في البناء بالحجر وبالمقابل قمنا بتعليمهم طرق البناء بالتربة المدكوكة. بالإضافة لذلك قدمنا لهم الأدوات اللازمة للبناء بالطين المدكوك بحيث يكونوا قادرين على بناء مبانيهم الخاصة بعد انتهاء المشروع.
مشروع سانت كاترين
مشروع سانت كاترين
مشروع سانت كاترين
مشروع سانت كاترين

من المشاريع الأخرى التي شارك السكان المحليين في بنائها هو مشروع مدرسة مجتمعية في منطقة (عيّاط) في ضواحي القاهرة، وكان إنشاء جميع الأسقف في المشروع مؤلفاً من القبوات.
لم يمتلك العمال المحليين الخبرة الكافية للبناء بالقبب والقبوات، ووجدوا بدايةً أن المشروع صعب، وأننا بحاجة لعمال ذوي خبرة أفضل، ولكن في النهاية، تغلبنا على هذه المشكلة من خلال تدريبهم وإكسابهم الخبرة اللازمة.
في بداية العمل على المشروع، شعروا بالخوف من احتمالية انهيار السقف وفق تصورهم، ولكن مع الوقت اكتسب المتدربون الثقة وامتلكوا مهنة يمكنها أن تكون مصدراً للعيش بالنسبة لهم في المستقبل.

 

مشروع مدرسة العيّاط المجتمعية
مشروع مدرسة العيّاط المجتمعية
مشروع مدرسة العيّاط المجتمعية
مشروع مدرسة العيّاط المجتمعية

6-هل ترين أن تعليم المهارات هذه هي جزء من الترويج الإيجابي لهذه التقنيات حتى تبدأ الناس بالاستغناء عن المواد غير البيئية كالإسمنت وغيره؟

نعم، بالطبع… إن جزءاً كبيراً من هدفنا هو توعية الناس بقدرتهم على البناء بأنفسهم، والجزء الآخر، أن نقدم لهم خبرة في حرفة جديدة قادرة أن تكون ذات مردود مادي إضافي لهم.

7- كيف كانت ردة الفعل؟ هل صادفتم مجموعة ما من الأهالي المحليين يطلبون منكم تعلم هذه الحرفة على غرار جيرانهم على سبيل المثال؟

دوماً هناك أشخاص لديهم فضول لمشاهدة عملية التنفيذ، أملاً في تعلّم مهارة جديدة. نحن للأسف لا نملك القدرة على البقاء في موقع المشروع بعد انتهائه، ولكن قبل بداية المشروع دوماً نعرض على السكان المحليين المهتمين أن يشاركوا في عملية البناء ونقدم لهم فرصة التدريب.

8- ننتقل الآن للحديث عن آخر ما قمتم بتنفيذه، وهو مشروع في مدينة (دهب) منطقة (أبو غالوم) والذي نشرت مقالة حوله في موقع المدينة المستديرة. هل يمكن اطلاعنا على التقنيات التي اتبعت في البناء والإنشاء في هذا المشروع؟

هذا المشروع كان بالتعاون مع وزارة البيئة وبدعم وتمويل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). انطلق المشروع عن سعي من وزارة البيئة وال(UNDP)، للقيام بأعمال تطوير المحميات الطبيعية بمصر، ولكون المنطقة محمية طبيعية اشترطت الجهات المسؤولة أن يكون البناء بيئي وأن يتم إنشاؤه بمواد متوفرة في موقع البناء نفسه. فقمنا بالتقديم على المناقصة واقترحنا استخدام التربة المدكوكة والحجر لكونهما أكثر المواد المتوفرة محلياً، وتمت الموافقة على المقترح، مما شكل فرصة كبيرة لفريقنا. بالطبع…كان للعملاء تأثيراً هاماً على العملية التصميمة، كما قمنا بأخذ عينة من آراء أهالي المنطقة حول المشروع، يتألف المشروع من ثلاثة مباني خدمية أساسية، المبنى الأول مخصص لشراء ودفع رسوم الدخول، المبنى الثاني هو مبنى الحمامات، والمبنى الثالث مخصص لمكاتب إدارة المحمية، بالإضافة لتلك المباني تضمن برنامج المشروع تصميم وتنفيذ عناصر أخرى، كتعبيد الطرق وعناصر الفرش العمراني من مقاعد ومظلات وغيرها، وتم العمل بتقنية التراب المدكوك (rammed earth) كعنصر إنشائي أساسي بالمبنى، واستخدمنا الحجر للأساسات والخشب كمادة للتسقيف، وقمنا بتنفيذ عناصر أخرى من الخشب المعالج، كبرج المراقبة لكون هذه المادة هي الأنسب لهذا النوع من المنشآت من حيث التصميم والتشغيل. كما استخدم الخشب في عناصر التظليل، بينما شكل الحجر الخيار الأنسب لمبنى الحمامات من حيث الاستخدام مقارنة بالتراب المدكوك، بالإضافة لذلك، استخدمنا المراحيض الجافة كحل مستدام وأرشدنا المستخدمين حول طريقة استخدامها وكيفية المحافظة على نظافة المكان، وسُلِّم المشروع منذ فترة قصيرة، ومن حسن الحظ أن الموقع هو مكان عام، ما ساعد على نشر الوعي حول أساليب الإنشاء البيئية هذه، وأثار العديد من التساؤلات من مستخدميه عن ماهية المواد المستخدمة وأشكالها المختلفة عما ألفوه من مباني خرسانية.
منطقة أبو غالوم
منطقة أبو غالوم
منطقة أبو غالوم

9- هل هناك عنصر تسليح في جدار التربة المدكوكة كعناصر من البامبو أم أن الإنشاء بهذا الأسلوب يعتمد على التراب فقط؟

لا، أسلوب البناء بالتراب المدكوك يعتمد على نظام البناء بالجدران الحاملة، ففي هذا النظام، الجدران هي العنصر الإنشائي الأساسي وتتحمل كافة قوى الضغط المطبقة عليها. لم يكن هناك حاجة لعنصر آخر يتحمل قوى الشد لذلك لم يكن هناك حاجة لأي تسليح، أما إذا كان المبنى مسقوف بقبوات أو قباب أو اضطررنا لوضع جائز حلقي لسبب ما، فسيكون هناك ضرورة لوضع عنصر إنشائي يتحمل قوى الشد ففي تلك الحالة نقوم بإنشاء كمرة تستوعب الأحمال هذه، ولكن بشكل عام جدار التربة المدكوكة وحده هو العنصر الإنشائي الحامل الأساسي في المبنى، ويصمَّم إنشائياً بحسب الحمولات التي يتعرض لها، سواء من حيث السماكة أو من حيث الخلطة الداخلة في تركيبه فمن الممكن إضافة مواد مثل الإسمنت أو الجير لتقويته.

ما أعنيه في سؤالي هو أن هناك أنظمة إنشائية تقليدية مشابهة في دمشق تحتوي على نظام تكتيف خشبي ضمن الجدار يقاوم أنواع أخرى من القوى غير الضغط، هل الإنشاء بالتراب المدكوك بحاجة لتدعيم بالحديث عن عنصر الجدار خاصة؟

فعلاً هذا النظام موجود ولكن أغلبها خارج مصر، السبب الأساسي للتنفيذ بهذا النظام هو عدم وجود نظام ضابط للبناء في المكان يسمح بإنشاء منشأة ذات جدران حاملة، فيتم التحايل على هذا الموضوع بحيث توضع أعمدة أو إطارات تشكل العناصر الحاملة بشكل أساسي والجدران تكون بمثابة تعبئة فقط. ولكن هذا النظام لا يحبذ، لأن الجدران فعلاً تقوم بتحمل القوى المعرضة لها بشكل كامل دون الحاجة لعنصر مساعد، إلا عند الفتحات طبعاً. توضع في هذه الحالة عتبة من الحجر غالباً، وفي بعض الأحيان عند وجود فتحات كثيرة نقوم بوضع جائز حلقي يقوم بدور العتبة.

10- هل الطين المدكوك حل إنشائي مناسب لمختلف البيئات الحرارية المتنوعة على امتداد الرقعة الجغرافية لمصر؟ وما هي التنويعات الإنشائية التي تنشأ باختلاف المكان في مصر؟

هناك مناطق يفضل البناء فيها بالتربة المدكوكة ومناطق أخرى يفضل البناء باللبن، هذه التقنيات مناسبة جداً في الجو الحار الجاف بسبب عزلها الجيد وكتلتها الحرارية العالية. مناطق مثل (سانت كاترين) هي مناطق صحراوية، يكون فيها الجو حار نهاراً وبارد ليلاً، فاستخدام جدران التربة المدكوكة كان اختيار موفق جداً، إذ أنها تحفظ الحرارة نهاراً وتطلقها ليلاً، ولكي نتأكد من كفاءة هذا الحل، قمنا بتركيب حساسات تقوم بقياس درجات الحرارة داخل المبنى وخارجه على مدار السنة وبعد ذلك قمنا بمقارنة النتائج، كان الفرق كبير بين درجات الحرارة داخل المبنى وخارجه مما يعني أن الجدار أدى بدوره إلى عزل الحرارة. هناك مناطق تكون الحرارة دوماً عاليةً جداً في فترة الصيف مثل منطقة (صعيد) مصر، حيث البناء باللبن أفضل من البناء بالتراب المدكوك، فالمحتوى المائي في اللبن أعلى من التربة المدكوكة، الأمر الذي يسمح للمادة بترطيب الهواء في الداخل. المناخ بشكل عام أحد المحددات التي تساعدنا في تحديد أسلوب أو تقنية البناء، أحياناً أخرى تكون المحددات متعلقة بالوظيفة أكثر وأحياناً تكون متعلقة بالمجتمع ومدى تقبله، فمثلا التربة المضغوطة ممكن أن يكون تقبلها أكثر من اللبن، وبالعكس، أحياناً هنالك مشاريع يفضل فيها العملاء التربة المدكوكة لأن شكلها مختلف وجديد فيتم اعتبارها عنصر زخرفي (ديكوري) مثلاً. ولكن بشكل عام، خامة وتقنية الإنشاء والبناء بالتربة مناسبة جداً للمناخ في منطقتنا بشكل عام ولكن يبقى التحدي هو اختيار التقنية التي ستستخدم، فذلك يعتمد على توافر المواد أصلاً والمناخ والثقافة المحلية إن كانت متقبلة لهذه التقنية أم لا.

11- هل من الممكن لفريق (هاند أوفر) القيام بتصميم منشأة من مواد معدنية مثلاً؟

لا لأننا ملتزمون بأسلوب معين، والإطار الذي نعمل ضمنه هو فكرة البناء بسبل وحلول بديلة ومستدامة عن الخرسانة والفولاذ، من الممكن أن نجرب مواد أخرى مصدرها الأرض والطبيعة ولكن المهم أن تكون صديقة للبيئة وذات فعالية اقتصادية والهدف الأساسي ترك تأثير إيجابي على البيئة والمجتمع.

12- بحسب بيان حصولكم على الجائزة، يرى المحكمون الجدارة في مشاريعكم أنها نجحت بالانتماء إلى المكان، ماذا عن روح العصر برأيكم؟ كيف تنتمي مشاريعكم لروح العصر؟ كيف تخاطب مشاريعكم المتحمسين لتقنيات المستقبل ولمن يحلم بعمارة المستقبل التي يرون بأنها العمارة ذات الأشكال المعقدة هندسياً وهي صورة شائعة عند طيف واسع من الذي تدور تصوراتهم حول العمارة التي تعبر عن روح عصر السرعة والتقنيات الرقمية، وهو سؤال بهدف الإضاءة على فحوى مفردة روح العصر، برأيكم وفق معطيات الواقع وما يتم إنتاجه حالياً في مقابل الصورة الخيالية عن عمارة تعبر عن روح العصر بحسب ادعاء أصحاب هذا الاتجاه وهي رؤية لا نتبناها، بل نراها نقطة هامة للنقاش في ظل الحديث عن التحدي الذي يواجه البناء بالمواد التقليدية والهالة المرسومة حوله بأنها مواد ولّى زمن استخدامها وفق اعتقاد ووعي البعض ..

هذا تحدٍّ آخر نقوم بالعمل عليه، نحن راغبين بإلغاء الاعتقاد الخاطئ عند الناس أن هذا النوع من البناء هو قديم أو غير معاصر، بالعكس، هناك أمثلة عالمية تثبت أنه من الممكن تنفيذ مباني ذات تصميم معاصر باستخدام هذه المواد ويمكن أن يكون البناء بهذه المواد هو أحد الخيارات في التصميم المعاصر، الأمر معتمد على المدى الذي يستطيع المصمم فيه توظيف المواد في التصميم. نحن في البداية كنا حذرين من حيث التصميم، كانت مهمتنا إثبات أن المادة هذه تفي بالغرض وهي مناسبة للمكان والاحتياج، وعندما حققنا هذا الهدف أصبحت تصاميمنا متنوعة كثيراً ومعاصرة وحديثة كالفيلات والأبنية السكنية، وهذا بسبب تطور قدرتنا مع الزمن على تطويع المواد لتلائم احتياجات الناس، من جهة أخرى كان علينا التصميم في مكان ذي ثقافة بسيطة أو مستوحاة من الطبيعة بحيث يظهر التصميم المادة الخام بشكل أفضل، على سبيل المثال في المشاريع التي تتطلب تصميماً معاصراً أكثر يتم استخدام قطع التربة المضغوطة (compressed earth blocks) فهي ذات شكل جميل كذلك الجدران ذات الثقوب(perforated walls) .

13- بالحديث عن طراز المباني التي تنتج عن هذا النمط من البناء بهذه المواد هل ترون أنكم تحاولون تقوية مفهوم الهوية والطابع المحلي المصري في أعمالكم؟ ما رؤيتكم لموضوع الهوية والطابع المحلي في البناء؟ وما هي مواطن الاستعارات في أعمالكم لخلق هذه الهوية من عمارة الماضي؟ هل تؤمنون باستعارة مفردات من الماضي بالضرورة لإعادة هوية الطابع المحلي في هذه العمارة ضمن إطار يسعى لخلق هوية معمارية عربية بشكل حقيقي وغير سطحي أو مكرر؟

طبعاً، موضوع الهوية موضوع مهم جداً وهدفنا ترك بصمة مهمة. بصراحة، هدفنا الأهم هو إثبات أننا لا نريد إعادة اختراع هذه الأساليب، فالأساليب هذه كانت موجودة منذ زمن طويل ولسنا نحن من قمنا باختراعها، ما نسعى إليه هو إعادة إحياء هذه المواد وهي أصلاً جزءاً من هوية هذا المكان، فالمباني الأثرية في القرى والمدن في منطقتنا أصلاً مبنية بهذه الأساليب، فدورنا نحن أن نؤكد للمجتمع أنها ليست أساليب مرتبطة بالماضي فحسب ولكن من الجيد إعادة استخدامها وربطها بالحاضر. ودورنا هو إعادة إحياء هذه الهوية وتذكير الناس فيها وتطويرها بحيث تفيد احتياجاتنا الحالية، ونهدف أيضاً لتطوير تقنيات هذه المواد وأنظمة تنفيذها للإضافة إلى الإرث الإنشائي. أتوقع أن أمامنا رحلة طويلة حتى نستطيع إيصال هذه الرسالة لكل فئات المجتمع، وأعتقد أن التأثير الجيد الذي استطعنا تركه هو عملية إثبات أن هذا المنتج يمكن تنفيذه، فتواجدنا على أرض الواقع أسهم في هذا، وأن هذه التقنيات ليست مرتبطة بمكان واحد أو مجتمع واحد وأن التصاميم بهذه المواد ليس بالضرورة أن تكون بسيطة وجامدة. ونحن نعمل بهذا الاتجاه حالياً، باتجاه تطوير العملية التصميمية بحيث نخلق مشاريع متنوعة ولكنها ليست بعيدة عن هويتنا.

14- جميعنا على دراية بالصعوبات التي تواجه النساء على وجه الخصوص في عالم الإنشاء والعمارة الذي يسيطر عليه الذكور بشكل عام وفق الإحصاءات الأخيرة، كيف استطاعت (رضوى) المهندسة المصرية ابنة المجتمعات الشرقية أن تتجاوز كل هذه الصعوبات إن واجهتها وكيف؟ وماهي نصيحتك لكل النساء الشابات في هذه المجال؟

لم تسيطر الصعوبات (الجندرية) يوماً على تفكيري، ولم أفكر بالحواجز التي يمكن أن تعيقني لكوني امرأة أو بسبب أن المجال يسيطر عليه الذكور، ولم أسمح للأمر أن يأخذ حيزاً من طاقتي ووقتي وتفكيري. لم أتعامل مع الأمر وفق هذا الأساس، واعتمدت على شغفي بالمجال، على الصعيد العملي، ولحسن الحظ لم أواجه أي صعوبات أو تحديات لكوني امرأة رغم أنني أعلم أن هناك نساء أخريات قد واجهن صعوبات ما. لذلك فإن نصيحتي لكل الشابات ألا يفكرن بالموضوع، وألا ينشغلن بالتفكير بأن هذه الصعوبات ستشكل عائقاً، بل أجد أن تجاهل هذه المخاوف والتركيز على الشغف في المجال هو المفتاح لتجاوز العقبات. وعلى العكس يمكن النظر إلى ماهية الإيجابيات الإضافية التي تكتسبها المرأة في مجال (الستارت أب) حالياً لوجود مجالات عمل جديدة تتطلب يد عاملة من النساء. التحديات التي واجهتها حقيقة لم تكن لكوني امرأة، بل لتقديرات شائعة في عالم الأعمال تفترض بأن صاحب الشركة أو العمل الناجح يجب أن يكون كبيراً بالسن باعتبار أنني صاحبة شركة في سن صغير مقارنة بباقي أصحاب الشركات. وتغلبت على الموضوع عندما اتضح للأطراف التي أتعامل معها مدى خبرتي ومعرفتي بما أقوم به فيما أقدمه، وهو الأهم من باقي التصنيفات والعامل الحاسم في عالم الأعمال. والتحديات التي نواجهها حالياً في (هاند أوفر) هي ليست (جندرية) قائمة على نوع الجنس بقدر ما هي مرتبطة بفكرة البناء بمواد جديدة وكسر نمطية البناء بالمواد المنتشرة من خرسانة وفولاذ وأن تلاقي هذه الفكرة نجاحاً على نطاق واسع.

15- باعتبارك مديرة (ستارت أب) ناجحة، ما هي نصيحتك لأصحاب الأعمال الناشئة (ستارت أب) في مجال الإنشاء؟

صحيح أنه من الهام وجود خطة لأي مشروع ناشئ، ولكن وفق خبرتي أرى أن التخطيط المبالغ به قد لا يكون مجدياً، خصوصاً إن خاض في أبعد التفاصيل قبل أن تتم تجربة ما يتم طرحه كأفكار بشكل مبدئي ، بحيث تؤخذ من التجارب نتائج تساعد في تقييم الفكرة وفاعليتها مما يؤدي إلى وضع خطة وفقاً لما جاءت به التجربة بشكل صحيح، أما فيما لو كان التخطيط مبالغاً فيه فقد يمتد لوقت طويل جداً يؤخر نهوض المشروع على الواقع، لذلك أنصح بأنه حالما يشعر صاحب المشروع بإمكانية إجراء تجربة لمشروعه عليه البدء فيها حالاً دون إضاعة الوقت في التخطيط المطوّل المبني على افتراضات لا تؤكد نجاح الفكرة، لأن التجربة هي العامل الحاسم في اختبار مدى قابلية الفكرة للتطبيق ،وأرى أيضاً أن على صاحب المشروع أن يكون مرناً ومتكيفاً وفق معطيات الظروف والسياق وألا يكون شخصاً مقيداً بحرفية ما رآه أو قدّره في بداية تفكيره بالمشروع. من المهم أيضاً لمن يبدأ مشروع ناشئ أن يبحث عن حاضنة الأعمال المناسبة أو الداعم المناسب ويغتنم الفرص، ومن المفيد أن يقوم باستشارة الاختصاصين حول فكرته وأن يحصل على المشورة لأن آراء أصحاب الخبرة تختصر الكثير من المسافات والجهد والوقت.

16- ما هي تطلعات (هاند أوفر) في المستقبل؟

نسعى لتنفيذ مشاريع على مقياس عمراني أكبر مما قمنا بتنفيذه سابقاً والذي يقتصر على مبنى وهدفنا من ذلك اختبار التنفيذ بهذه المواد على مساحات أوسع. نسعى أيضاً للقيام بمشاريع تجارية في مراكز عمرانية هامة للترويج لفكرة البناء بالمواد الصديقة للبيئة، ونقوم بالبحث عن شراكات حكومية أو غير حكومية لتوسيع نطاق العمل، كما نسعى لتطوير التقنيات في مجال المواد المستخدمة وأن نصل لتحسينات وإصدارات مطورة لما ننفذه من أساليب وتقنيات.

معرض الصور:

فريق الإعداد:

إعداد: م.دانة الدروبي – م. ميرما الورع

التدقيق اللغوي: تقى اجنيد

نشر إلكتروني: م. ريم الخلوف

مقالات قد تعجبك

ثبثصبصثقبصثق32ق32ق
تاريخ الأبراج السكنية وتحدياتها
Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
3
تأثير ناطحات السحاب على حياة قاطنيها
Untitled-12
كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة
Elias Khuri (2)
العمارة المتوسطية بين الثقافة المحلية والمعاصرة - مقابلة مع المعمار إلياس خوري
1
بين السماء والأرض أم على الأرض؟
Scroll to Top