المساحات النهرية الحضرية (بنغلادش)

هذا المشروع من العدد 000، اضغط هنا لرؤية العدد.

المقتطف:

يُعتبر مشروع “المساحات النهرية الحضرية” الحاصل على جائزة “آغا خان الدولية” من أهم المشاريع المعمارية البيئية التي نُفذت على نهر Nabaganga في بنغلادش كونها نقطة تخديم للمدينة، فقد أتاحت لسكان المنطقة فرص لتلبية احتياجاتهم المختلفة كغسل الثياب والاستحمام وممارسة طقوسهم الخاصة..

فما هو مشروع “المساحات النهرية الحضرية”؟ وما فائدته للمدينة والمجتمع؟

يُعَد مشروع “المساحات النهرية الحضرية” في بنغلادش ” URBAN RIVER SPACES” الفائز بجائزة آغا خان للمشاريع المعمارية في العالم الإسلامي “AKAA” في دورتها الخامسة عشر لعام 2020_2022 م مثال عالمي عن التطوّر الحضاري والمجتمعي من خلال تحسين واقع المكان وتوظيفه بما يخدم الإنسان، فهو نهج مستدام يهدف إلى استعادة وتنشيط أنظمة الأنهار والبيئة ومعالجة التحديات الاجتماعية المرتبطة بالتحضّر والتصنيع كالتلوّث ونقص المساحات في منطقة بنغلادش التي تعتبر واحدة من الدول الأكثر اكتظاظاً بالسكان..

في هذا المقال سنتعرف أكثر عن هذا المشروع وعن أهميته وكيف انعكس إيجاباً على الحياة الاجتماعية والموارد المائية..

ما نوع المدينة التي نحتاجها؟

شهدت بنغلاديش مؤخراً توسّع حضري كبير خصوصاً في مدنها التي تقابل الأنهار، حيث تحولت المجاري المائية المحيطة بها إلى ساحات خلفية ومناطق غارقة بمياه الأنهار. وكانت إحدى أبرز هذه المناطق هي: “جنيدة _Jhenaidah” (وهي منطقة تقع في جنوب غرب بنغلاديش في جنوب آسيا، تمثل جزء من إقليم خولنا، تبلغ مساحتها 1964.77 كيلومتر مربع)

قام المهندسان المعماريان: Khondaker Hasibul Kabir (مهندس معماري من بنغلادش للمواقع الطبيعية ومدافع عن الاستدامة يعمل مع وكالات التنمية البنغالية) وSuhailey Farzana (مهندسة معمارية مجتمعية، تخرجت من جامعة براك، بنغلادش) وحرصاً منهما على تعزيز نوعية الحياة في المنطقة بمبادرة تشاركية لتمكين المجتمعات ذات الدخل المنخفض من بناء منازلهم الخاصة، وتلت هذه المبادرة سلسلة واسعة من «ورش العمل المشتركة» لإشراك المواطنين في إعادة التفكير بالأماكن العامة التي يعيشون فيها ضمن المدينة، نتج عن هذا التفاعل الفكري مشروع “المساحات النهرية الحضرية”.

المصمم الأساسي لهذا المكان ليس المهندسون.. بل الأشخاص المحليون انطلاقاً من فكرة أن السكان المحليين قادرون على جعل هذا المكان أفضل، فمن خلال المشاركة المجتمعية الواسعة للنساء والفئات المهمّشة والقوى العاملة المحلية في المكان، تم دراسة المكان وفهم سلبياته وانعكاسها على سكان المنطقة من خلال طرح سؤال: ما هي المدينة التي نحتاجها؟! ومن هنا بدأ مشروع بسيط لتنظيف المنطقة من النفايات والوصول إلى نهر “Nabaganga” في المنطقة لإظهار المناظر الطبيعية والحفاظ عليها باستخدام المواد المحلية وتقنيات البناء البسيطة، وهكذا تحول من موقع نفايات غير رسمي ومهجور إلى مساحة متعددة الوظائف جذابة وحضارية..

الوصف العمراني للموقع:

يتألف مشروع المساحات النهرية الحضرية حتى الآن من “غاتين”  TOW GHATS (الغات_ghat:  درج يؤدي إلى مصاطب بجانب المياه) الغات العام الكبرى والغات الصغرى، بالإضافة إلى ممرات مجاورة ومسارات لربط المدينة بالنهر.

يبلغ طول “الغات العام الأكبر” 115 متراً، ويتكون من تراسين مرتبطين بسلالم مختلفة، ومنحدر لتسهيل عبور ذوي الهمم، يتوضع فوق التراسين جدار احتياطي للمعارض العامة تندمج نهايته مع حاجز متعرج يلتف حول الأشجار المعمّرة الموجودة مسبقاً (بعضها يزيد عمره عن قرن) لإنشاء مناطق خاصة وشبه مغلقة ومظللة حيث يمكن للناس الجلوس في مواجهة بعضهم البعض مما يسهل عملية التفاعل الاجتماعي فيما بينهم. كما يمكن أن يشكّلا هذان التراسين منسوبين متدرجين لتقديم العروض المسرحية في الهواء الطلق على سطح عائم أو على ضفة النهر المقابلة.

التراسان اللذان يشكلان الغات العام الأكبر

أما “الغات الأصغر” فيرتبط مباشرة بحافة المياه عبر بضع خطوات، يتم استخدامه من قبل المجتمعات ذات الدخل المنخفض في المدينة، حيث الغالبية من “الهندوس”، كما أنه يلبي احتياجاتهم على وجه التحديد من حيث الاستحمام والغسيل وممارسة الطقوس الدينية.. مع توفير مقاعد وغرفة لتغيّير الملابس بناءً على رغبة أهل المنطقة، حيث تم بناؤه على الطرق الهندية استجابة للاحتياجات اليومية للمجتمعات المحلية الّذين يستحمون ويغسلون ويصطادون من النهر.

تكمن أهمية المشروع بتوفير أماكن عامة في المدينة النهرية للسكان المحليين الذي يبلغ عددهم 250000 نسمة، فالأشخاص المحليون يشعرون بالانتماء والراحة لهذا المكان حيث يمكنهم خلال المساء الذهاب لهناك ورؤية الأطفال يقومون بنشاطات مختلفة كالتعلم واللعب والاستمتاع في بيئة مفتوحة.

الغات الصغرى عن قرب

مواد البناء المستخدمة في المشروع:

استخدم في تنفيذ مشروع “المساحات النهرية الحضرية” مجموعة من المواد وتقنيات البناء اعتماداً على الاحتياجات المحددة لكل عنصر، وقد تم اختيارها على أساس متانتها وفعاليتها وملائمتها للمكان لذلك استخدمت المواد المتاحة محلياً في بناء “الغات” مثل  الطوب الأحمر والخرسانة في تصاميم بسيطة خالية من الزخارف والنقوش، وجميعها بناها بناة محليون؛ مع الحفاظ على التضاريس المحلية بما فيها من أشجار ونباتات ومشاريع خاصة موجودة في المنطقة، حيث قام المهندسون المعماريون بمسح وتوثيق جميع الأشجار من أجل اقتراح غطاء نباتي ذو أهمية بيئية لتعزيز التنوع الحيوي في المنطقة، بالإضافة إلى استخدام الأخشاب في بناء جسور المشاة والمقاعد، والخيزران من مصادر محلية لبناء الهياكل المؤقتة، بشكل عام الهدف الأساسي من استخدام وتطويع هذه المواد المستدامة في البناء هو تقليل التأثير البيئي ودعم الاقتصاد المحلي.

صورة توضع مواد البناء المستخدمة في الغات كالطوب الأحمر والخرسانة المحلية

المستقبل من وجهة نظر المشروع:

نتيجة هذا المشروع أصبح الناس يأتون بانتظام لهذا المكان من مختلف الأعمار والأجناس والخلفيات مهما كانت متباينة، واتسع هذا التنوع حتى وصل لبعض المدن والقرى المجاورة، حيث يأتون إليها  للمشي أو الجلوس أو الاجتماع أو الانخراط في الأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية.. 

أحد أسباب نجاح المشروع يعتمد على نتيجة ورش العمل التي تم خلالها دعوة أعضاء المجتمع لإعادة التفكير في أماكنهم العامة، والتي أعادت سلسلة من النشاطات على ضفاف النهر للقاءات والاستمتاع، وبفضل حماس المجتمع، وظّفت بلدية “جنيدة_Jhenaidah” حرفيين محليين لتنفيذ المشروع، وقدّم المهندسون المعماريون خدمات استشارية مجانية، وقد أفاد العمدة أنه قد زار المكان أكثر من 50 شخص من ممثلي البلاد للتعلم من برامج المشاركة المجتمعية هذه>

صورة تبين الأشجار المعمرة في الموقع والتي تم الحفاظ عليها من قبل المهندسون لتعزيز التنوع البيولوجي

ترتكز المراحل المستقبلية على الاستخدام العام لمنطقة النهر مع الممرات والحدائق والمرافق الثقافية وعلى الجهود البيئية لزيادة التنوع البيولوجي في النهر، يسمح هذا المشروع بإعطاء مؤشر جيد عن دور العمارة وتطورها في المستقبل، فنهج العمل يسمح بالتطوّر والتوسّع في المستقبل لخدمة المشروع ومنحه مجال أوسع، وقد تكون سبب في بدء تطوير المناطق المجاورة وانتقال هكذا أعمال لها وتوظيفها بطرق معمارية حضارية..

ترشيحات اُخرى:

يحصل الفائزون بمسابقة “AKAA” على جائزة قيمتها مليون دولار، ويعتبر هذا دافعاً للمجتمع للابتكار والاهتمام بالبيئة، لم تكن هذه الجائزة الأولى التي حظيت فيها بنغلادش، حيث سبق وأن وصلت مشاريع معمارية مختلفة لقائمة الترشيحات في جائزة آغا خان: 

كمشروع المساحات المجتمعية في استجابة الروهينجا للاجئين (Rohingya Refugee Response) في كوكس بازار ( Cox’s Bazar) في بنغلاديش وذلك في نفس العام بجانب مشروع المساحات النهرية الخضراء 2020_2022م، ومشروع أركاديا التعليمي ( Arcadia Educational Project) في جنوب كانا رشور (South Kanarshur) في بنغلاديش عام 2017_2019م الدورة الرابعة عشر، ومشروع مسجد بيت الرؤوف (Beit Al Rauf Mosque Project) في دكا (Dhaka) في بنغلاديش عام 2014_2016م في الدورة الثالثة عشر وغيرها من المشاريع في الدورات السابقة.. 

يعتبر مشروع “المساحات النهرية الحضرية” مبادرة شاملة يمكن الاعتراف بنهجها المبتكر في إدارة الأنهار البيئية، كما أنه يؤكد على أهمية استعادة وتنشيط أنظمة الأنهار كعنصر أساسي للتنمية المستدامة ودوره في إشراك المجتمع المحلي بحماية البيئة وإدارة المخلفات. حيث استطاع المشروع فهم المكان بطريقة واعية وقد سلّط الضوء على النقاط المرتفعة والمنخفضة للمناظر الطبيعية فيه ودمج فيما بينهم.

و في النهاية يمكننا القول أن  “المساحات النهرية الحضرية” مشروع مستدام منخفض التكلفة يهتم بالموارد الطبيعية كما أنه مناسب لكل عصر بمختلف تركيباته العمرية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا تمثيل حقيقي لعبارة: “إن العمارة للجميع”.

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد:

إعداد: عمر الهادي

 

التدقيق العلمي: م.أمينة شيخه

التدقيق اللغوي:م.حنان حداد

نشر إلكتروني: م.محمد أنس رستم آغا

مقالات قد تعجبك

مقابلة مع المعماري المتخصص في العمارة الداخلية ريشار ياسمين
cropped-9a1bbbb4-2007-4f21-893f-3bc699f9e1d7
مفهوم الفيلا السكنية
Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
Amale_Andraos
من الشرق الأوسط إلى الغرب، عن الأكاديمية والعمل. لقاء مع د. امال اندراوس
1
بين السماء والأرض أم على الأرض؟
ثبثصبصثقبصثق32ق32ق
تاريخ الأبراج السكنية وتحدياتها
Scroll to Top