مقابلة مع أعضاء من الفريق الفائز بمسابقة اليونسكو لإعادة تأهيل مجمع النوري في الموصل، العراق
لطالما كان موضوع تجديد وتأهيل موقع أو مكان أثري مسألة معقدة تحتاج لدراسات وتحليلات دقيقة، فكيف سيكون الأمر عندما يتعلق بمجمع جامع النوري والمئذنة الحدباء اللذان يعتبران من أهم المعالم الأثرية والحضرية في نسيج المدينة القديمة! حيث حدَّدت اللجنة المشتركة التابعة لليونسكو، والمعنية بإعادة تأهيل وبناء جامع النوري ومئذنته الحدباء، وكنيستَي (الطاهرة والساعة)، في 6 أيار/مايو الخطوات المستقبلية لإعادة بناء هذه المعالم الثلاثة البارزة في مدينة الموصل القديمة في العراق، حيث يمثل هذا العمل جزءاً من مبادرة اليونسكو “إحياء روح الموصل”.
وتركز المراحل اللاحقة للمسابقة المعمارية التي أُعلنت نتائجها في 15 نيسان/أبريل، على إعداد تصميم مفصَّل يركّز على الأولوية لإعادة تأهيل المجمع، ويتوقف الجدول الزمني لتنفيذ هذه الأعمال على الإستجابة لجائحة “كوفيد-19” في الموصل.
فيما يلي حوارنا مع الدكتور (شريف فرج) والمهندس (طارق علي) أعضاء من الفريق الفائز في مسابقة إحياء مجمع جامع النوري.
الدكتور المعماري شريف فرج:
أستاذ بكلية الفنون الجميلة – قسم العمارة – جامعة الإسكندرية
المعماري طارق علي:
مؤسس ومعماري في ستديو جذور المعماري
الرؤية:
يعد مشروع إعادة بناء مجمع جامع النوري جزءاً أساسياً من عملية إحياء روح الموصل القائمة على فكرة التسامح وتعزيز الروابط الاجتماعية، ما هي رسالة أو رؤية المقترح الذي تقدمتم به للمسابقة؟
أ. طارق:
بدأ العمل بطرح سؤال: (ما الهدف من طرح المسابقة أصلاً؟) إذا كانت الغاية إعادة الترميم فهو عمل لا يحتاج مسابقة، وهنا بدأنا البحث عن الهدف والرسالة التي نريد إيصالها من خلال عملنا، فتوصَّلنا لنتيجة أننا سنقوم بزرع بذرة أشبه بنقطة حضرية تعيد إحياء المدينة وتشجع النازحين على العودة وتكون بمثابة رسالة أمل وتخبر العالم أن البلاد تخطت الأزمة، وهنا بدأ التفكير… (كيف يمكن للمشروع أن يكون جاذباً للناس ويوصل رسالته؟).
إنَّ المشاريع المعمارية في طبيعتها متكاملة مع الرغبة السياسية والعوامل الاجتماعية والمؤسسات الأهلية والحراك على الأرض، بالإضافة للتكامل مع العامل الزمني من الوضع الماضي والأزمة التي مر بها والوضع الحالي والمستقبل، فيجب على المشروع أن يوصل رسالته عن طريق تحقيق التوافق بين العوامل السابقة.
المجتمع وتوجه إعادة التأهيل:
عندما نتحدث عن مسجد النوري، المئذنة الحدباء، كنيسة الساعة، وأماكن عديدة تعتبر بمثابة جذور للمجتمع الموصلي، تكون عملية اتخاذ أي قرار يتعلق بها حساسة ومن الضروري أن ترتبط بالتجربة الإنسانية والمشاركة المجتمعية... كيف تم إشراك المجتمع في عملية اتخاذ القرارات في عملية التصميم؟
أ. طارق:
عند البحث بحالات مشابهة، نجد تنوعاً كبيراً بطريقة معالجة مثل هذه المشاريع والأسئلة التي تطرحها، ففي إحدى الحالات؛ تم إعادة ترميم الموقع كما كان، وفي حالة أخرى نجد أنه تم إضافة جزء بتصميم معاصر متناقض مع طبيعة الموقع، وفي حالة ثالثة نجد أنه تم الحفاظ على المكان مع إدخال بعض العناصر بتصميم معاصر، وهنا يجب إيجاد ما يوجه عملية التصميم.
وهنا يبدأ طرح أسئلة أخرى، ما الذي سيتقبَّله أهل المكان؟ ما الذي يتوقعونه؟ ماذا يريدون من المشروع؟
حاولنا الحصول على معلومات عن طريق استطلاعات الرأي التي قامت بها منظمة اليونسكو والمؤسسات الأهلية لنعلم مدى تقبل الناس لفكرة المسابقة، فعند الحديث عن المسجد مثلاً ؛كانت أغلب الإجابات تريد إعادة المسجد كما كان مع إدخال تحسينات، وكان هذا بمثابة موجه لعملية التصميم ومحدداً لنسبة التغيير في الموقع.
العملية التصميمية داخل الفريق:
كيف تم تقسيم مراحل العمل بين الأعضاء؟
د. شريف
في المرحلة التالية لفهم وضع المجتمع الحالي، بدأ المشروع بطرح الأفكار، الناس بين الناس، والفريق بين الأعضاء، بحيث نطرح أفكارنا على شكل صور، رسومات، مقالات، وهذه مرحلة ممتدة من النقاشات حول الأبحاث التي حصلت وكل عضو من الفريق يطرح فكرته عن المشروع النهائي؛ وبعد النقاش الموسع؛ بدأ طرح أفكار ناتجة عن النقاش واختيار الفكرة الأقرب لرؤية الأغلبية وبدأ التطوير عليها.
في هذه المرحلة للإسهامات الفردية يكون العمل منصهراً بين الجميع، مع وجود شخص بمثابة مايسترو، أما في المراحل النهائية عندما بدأ تقسيم العمل، فيتم اختيار عضو من الفريق مناسب لكل مشكلة تقنية على حدة.
تحديات عدم القدرة على زيارة الموقع:
كيف استطعتم التغلب على صعوبات العمل بموقع بهذا التعقيد دون القدرة على زيارته؟
د. شريف:
في الوضع الذي تم به طرح المسابقة، كانت جائحة (كوفيد-19) تحول دون إمكانية السفر وزيارة الموقع، فقمنا بالاستفادة من الوثائقيات المتاحة على الويب، والتواصل مع أصدقاء لنا عاشوا فترة في العراق أو لا يزالون هناك، رَووا لنا تجاربهم وقصصهم، بالإضافة إلى أن وجود خبرات سابقة لنا بالبناء في مختلف المدن منحنا خبرة كافية بالتعامل مع المدن المختلفة، حيث أن كل مدينة تفرض طباعها وتحدياتها.
المجتمع مجدداً وترميم الجروح:
إن مجمع النوري كان بمثابة حاضنة لأنشطة اجتماعية مختلفة على مر السنين، وقد تعرض الموقع لخراب ودمار كبير، حيث أثرت هذه الأحداث على المجتمع أيضاً، كيف تم خلق بيئة مناسبة للمجتمع الموصلي في "حوار الأروقة"، وما هو الدور الاجتماعي المقترح في إعادة ترميم الجروح التي سببتها الحرب؟
أ. طارق:
بداية قمنا بالعودة لتوصيات تتعلق بمواضيع مشابهة حول التعامل مع المساحات المجتمعية في مرحلة ما بعد الحروب والكوارث، وعلى رأس هذه التوصيات نجد المشاركة المجتمعية، هنا لا يقتصر الأمر على إعادة الإحساس بالانتماء، بل يجب العمل على خلق انتماء جديد، وحاولنا طرح الأمر من خلال المساحات التشاركية والتعليم، ونجد أن اليونسكو قد طرحت هاتين النقطتين في المسابقة أصلاً، فنجد فيها مدرسة ومركز خدمة مجتمع.
تكمن أهمية الاهتمام بالتعليم في هذه الفترة بسبب انقطاع الكثير من الأطفال عن التعليم لسنوات نتيجة النزاع، ونذكر أيضاً أنه قد تم تعزيز المساحات التشاركية على حساب المساحات الفردية في المدارس.
أما المجتمع بشكل عام، فهو يمر بالمراحل الأولى للتعافي، التي تتطلب مرونة لتلبية احتياجات تختلف في كل مرحلة عن سابقتها، وهنا يأتي دور مركز الخدمة المجتمعي؛ ففي الفترات الأولى احتاج الناس إزالة الركام، ثم أصبحوا بحاجة محاكم سريعة وتوثيق ما حصل… وهكذا.
أما الاهتمام بالمساحات التشاركية؛ فكان بهدف جعل المشروع جزء متكامل مع النسيج الحضري المحيط به، كفراغ تطل عليه الأبنية المحيطة ويعزز شعور الإلفة بالمكان، وبناءً عليه كان تحويل ساحة الجامع التي يتم استخدامها أثناء الصلاة فقط إلى ساحة مفتوحة وملتقى حضري للمدينة بأكملها يمكن للناس استخدامه طوال اليوم وعلى مدار العام وليس وقت الصلاة فقط.
رد الفعل والرأي العام:
ما مدى تقبُّل المجتمع لهذا المقترح؟
أ. طارق:
عند طرح هذا الموضوع؛ ظهرت الكثير من الآراء التي ترفض القيام به بحجة قدسية صحن الجامع، ولكن ما تم طرحه يتعلق بالساحة الخارجية للجامع وليس الصحن وهنا حدث الالتباس بسبب المصطلحات ودلالاتها، حيث أن الساحة الموجودة هي ساحة تابعة للمجمع بأكمله وليست صحن المسجد، وهي تشكل فراغاً جامعاً لمحيطها.
د. شريف:
ويمكننا هنا التطرُّق لسؤال: (ما هو المسجد أساساً وماهي وظيفته؟)، فهنا نعود للأصل الذي تأسس عليه المسجد، وهذه نقطة تغيب كثيراً، فهو مساحة للتعبد في معناه الحقيقي وليس الصلاة فقط، يُفتح ويُغلق قبلها وبعدها بربع ساعة.
إن لمفهوم المسجد _تاريخياً_ قيمة إضافية، فهو بذرة لكل أنشطة اتخاذ القرارات، وله دور اجتماعي وسياسي، وحصره بمكان صلاة يعتبر مشكلة.
هنا يبدأ دور النقاش مع الناس وفهم وجهة نظرهم عن الموضوع، هل يمكن القول إنكم تحاولون تغيير الرأي العام ؟
د. شريف:
لا يمكننا ادعاء ذلك، لكننا نقوم بطرح رؤيتنا التي تشكلت عن طريق البحث، بصرف النظر عمَّا إذا كانت مطابقة أو مخالفة لآراء الناس، نحن نطرح ما نراه صحيحاً من وجهة نظرنا ونحاول تطبيقه
ماذا سيعيد حوار الأروقة لذاكرة المجتمع الموصلي، وما التجربة الجديدة التي سيقدمها له؟
د. شريف:
اعتبر مسجد النوري على مر السنين مكاناً للتعلم والاجتماع والعبادة كجميع المساجد التي كانت تشكل منذ القدم نقطة تجمع سكني حولها، وانطلاقاً من هذه الأهمية نستطيع القول: إن إحياء المجمع بمسجده وعناصره المختلفة بهذه الصيغة التي نطرحها ويكون مرة أخرى مركزاً حيوياً للمدينة ومركزاً للأمل، هو أمرٌ مهم جداً لانتشار التنمية في المدينة، ومحاولة ليكون نقطة بداية ذات تأثير ينتشر عبر المدينة حتى يصل إلى النقطة التي نستطيع القول عندها أننا نغير ونحيي ونجدد المدينة وأن المدينة قد بدأت بالتعافي.
أما بالنسبة للتجربة الجديدة، فأعتقد أنها ستكون تجربة ذاتية للغاية، تجربة تخص المجتمع وإعادة اللحمة إليه، تخص العودة إلى ممارسة الحياة عامةً، فالجرح والدمار اللذان تسببت بهما داعش في أثناء سنوات الحرب (2014-2017) هو نوع من أنواع فرض الذات، والتحدي اليوم يكمن في أن يستطيع المجتمع أن يقول مرة ثانية أنه حاضر بمدينته يمارس فيها حياته وأنشطته المختلفة.
أ. طارق:
أرى أن التجربة الجديدة ستتعلق بشكل أساسي بالفكرة الفراغية للمكان، فهي محاولة لمزج أجزاء مستلهمة من الماضي مع عناصر أساسية للعمارة الموصلية، لكن بإضافات تحاكي الوقت الراهن وبشكل يراعي المتطلبات والتقنيات الحديثة، وبالتالي فإن هذا الحيز الفراغي سيمنح الناس فرصة تجربة الإحساس بأن المكان مألوف، وهذا بالطبع سيعزز ارتباطهم به وشعورهم بالانتماء إليه لكن في الوقت ذاته لن يكون إعادة رتيبة لمفردات المكان بشكلها القديم وليس فقط حالة من استنساخ للماضي بشكل لا يستطيع الناس التمييز بين ما هو أصيل وقديم وتراثي وبين ما هو مضاف وحديث، وبالنسبة لنا هذا ماكنا نسعى إلى تقديمه في “حوار الأروقة”.
إعادة التأهيل بروح العصر:
كما ذكرتم سابقاً أن احترام التاريخ لا يأتي من الاستنساخ والتقليد الأعمى له بل من اكتشافه وفهمه واستلهام أشياء معينة ومن ثمَّ إعادة صياغة مفرداته لتلائم الوقت الحالي وإضفاء روح العصر إليه، كيف يؤثر فهم هذه النقطة على إحياء وتجديد مكان أو مبنى أو حتى موقع تراثي؟
قمتم بالرد على الاعتراضات التي جاءت على مقترحكم أنكم لم تغيروا في الجزء التاريخي، أما الفعاليات المضافة فتمت إضافتها بأسلوب معاصر يراعي روح المكان، حدثونا عن هذا الجانب من المشروع وأسلوب الربط بين القسمين وتأثيره في التجربة المكانية للزائرين؟
هنالك نقاش وجدل حول أنكم من مصر وقد فزتم بالمسابقة، ما تعليقكم على هذا الموضوع، وهل لمستم أثر الثقافة المشتركة بين العراق ومصر في طرحكم؟
التطوير:
العمارة التقليدية عمارة مستدامة، كيف حافظتم على ذلك من خلال التقنيات والمواد المقترحة؟
في الختام:
كيف كانت تجربة الخوض في إحياء وتجديد أحد أهم المعالم التاريخية في نسيج المدينة القديمة، والذي يعد مشروعاً مفصلياً في إحياء روح الموصل، وماذا أضافت لكم التجربة؟
أ. طارق:
لقد كان لهذه التجربة أثرٌ كبيرٌ فينا جميعاً ولقد أدركنا منذ اللحظة الأولى عند قراءة نص المسابقة حجم المشروع وأهميته بالنسبة للمجتمع الموصلي ولعملية إحياء روح الموصل كلياً، فالمشروع له طبقات متراكبة عديدة، وكان علينا دراسة الجانبين التاريخي والثقافي بشكل دقيق ومتعمق وتحليل الهوية البصرية والثقافية للمكان بالشكل الصحيح، وإضافة إلى كل ذلك، فإن المسجد أثري وله تاريخ عريق ومن ثم لم نشعر بأن المشروع سهل أو بسيط بل على العكس تماماً، وبالطبع دراسة هذه الجوانب العديدة بشكل مكثف مهم جداً وقد أضافت لنا الكثير، لكن الجانب الأصعب والأكثر تعقيداً هو أننا كلما كنا نتعمق بالجوانب الاجتماعية وكلما حاولنا دراسة الخط الزمني للفترات الماضية وماذا حصل نكتشف حجم الدمار والأذى والمعاناة التي خلفتها داعش في المنطقة، وأدركنا مدى الاحتياجات الهائلة للسكان وللمجتمع الموصلي عموماً، وأرى بالفعل أن ضريبة المشاركة في المسابقة هي أن نشعر بحجم هذا الدمار ونبدأ بإدراك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقنا لمساعدة الناس وحل مشاكلهم، و أن نكون سبباً في إعادة الأمل لهم، وذلك حتماً لن يكون فقط في أن نقدم لهم تصميماً جميلاً من دون أن يحقق شيئاً آخر.
د. شريف:
التجربة لها ميزات عديدة وإذا أردنا التكلم عنها من الناحية المهنية، فهي ستكون نقطة مهمة في ملف إنجازاتنا وأعمالنا على الصعيد المهني وذلك في أن تكون جزءاً من هذا المشروع الضخم في إحياء روح الموصل، لكن الأعظم من كل ذلك هي المساحة الإنسانية الموجودة في المشروع، فتجربتنا في المشروع هي تجربة إنسانية بشكل أساسي، وأعتقد أن ما جعل للمقترح شكلاً مختلفاً ومميزاً هو الأبعاد الإنسانية التي يحتويها وهذا قد يكون ما أهَّله للفوز بالمسابقة.
وأود القول: إنَّ التعرُّض لفكرة المجتمع والتعامل معه وخصوصاً بعد سنوات الحرب ومعرفة حجم المعاناة الإنسانية هما الأكثر أهمية، وكانا الدافع الأساسي في استمرارنا وإصرارنا على وجودنا في المسابقة وتقديم أفضل ما لدينا، وأن نحاول إعادة الأمل ونكون جزءاً مساهماً بتصالح الناس مع أنفسهم ومع المكان وأن يعيش الناس مرة أخرى بمدينتهم حياة كريمة.
معرض الصور:
فريق الإعداد:
إعداد:م.نور الموسى – م. ضحى النوري
التدقيق اللغوي:تقى اجنيد
نشر إلكتروني: م. ريم الخلوف