المتحف الأمريكي الأولمبي والبارالمبي-U.S. Olympic and Paralympic Museum
هذا المشروع من العدد (100)، اضغط هنا لرؤية العدد.
يوصف المتحف الأمريكي الأولمبي والبارالمبي بأنه أبرز المتاحف سهلة الوصول في العالم، متحدياً الموقع والتصميم والحركة الوظيفية، فما الذي يميزه ويكسبه أهميته، وما الذي يجعله من أفضل المشاريع المعمارية لعام 2020؟
لنتعرف على أبرز عناصر المتحف التي تميزه عن المتاحف الأخرى، وكيف أثَّرت مراعاة متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة على تصميمه المعماري والعمراني.
لمحة عامة عن المتحف:
المتحف الأمريكي الأولمبي والبارالمبي: هو تكريم للحركات الأولمبية وأولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة (بدرجات إعاقة متفاوتة)، وهو واحد من أربعة مشاريع رئيسية تشكل جزءاً من المبادرة السياحة في مدينة (كولورادو سبرينغز).
يعزز المتحف أيضاً العلامة التجارية للمدينة كمدينة أولمبية في الولايات المتحدة الأمريكية. افتُتِحَ المتحف في 30 تموز لعام 2020، ليستقبل أكثر من 350 ألف زائر سنوياً، وصُمِّمَ من قبل استوديو (ديلر سكوفيديو + رينفرو) المتعدد التخصصات، وهو عبارة عن مجمع مكون من كتلتين يفصل بينهما مدرج وساحة بالإضافة إلى جسر مشاة.
الكتلة الأولى هي المتحف ذو الهيكل الحلزوني المنتشر، أمَّا الثانية كتلة ترفيهية ثقافية، وتبلغ مساحته الإجمالية 5600 م2.

يقع المتحف على حرم جامعي مرتفع قليلاً في وسط مدينة (كولورادو سبرينغز) بولاية (كولورادو).
حيث تعرف المدينة بأنها المدينة الأولمبية بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي مقر اللجان الأولمبية وأولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة والمضيف الدائم لأول متحف أولمبي وأولمبياد المعاقين في الولايات المتحدة.
يقع المتحف بشكل مثلث شريطي غير منتظم، تبلغ مساحته 6900 م2، وتحيط به مبانٍ صناعية من جهة وساحة صغيرة للسكك الحديدية من جهة أخرى، كما يقع بجواره ساحة نشطة مع منتزه (أميركا الجميل America the Beautiful Park).

لمحة عن المكتب المعماري المصمم:
استوديو (ديلر سكوفيديو + رينفرو Diller Scofidio + Renfro)، هو مكتب تصميم أمريكي متعدد التخصصات، يجمع بين الهندسة المعمارية والفنون البصرية والفنون المسرحية.
يقع في مدينة نيويورك، ويتكون من أربعة شركاء (إليزابيث ديلر)، و(ريكاردو سكوفيديو)، و(تشارلز رينفرو)، و(بنجامين جيلمارتين)، ضمن فريق متكامل من المهندسين المعماريين والفنانين والمصممين والباحثين.
تمتاز أعمال المكتب المعمارية بالبساطة والابتكار، وأبرزها: (قاعة الحفلات الموسيقية The concert hall) في لندن – (مركز فاجيلوس التعليمي Vagelos Education Center) في نيويورك، 2016 – متحف (الفن المعاصر برود The Broad) في لوس انجلوس، 2015 – مبنى (شيد The Shed) في نيويورك – حديقة (هاي لاين العامة The High Line) في نيويورك، 2011.
وقد اختير المكتب لتصميم المتحف الأولمبي في عام 2014، وكالمعتاد كان هناك قلق حول استبعاد المهندسين المعماريين المحليين واختيار شركة خارجية، ولم يكن ذلك مفاجئاً كون المدينة محافظة على الصعيدين السياسي والثقافي.
الفكرة التصميمية:
استوحي تصميم المتحف من الحركة الجسدية (حركة قاذف القرص) ورشاقة الرياضيين الذين يحتفل بهم، إضافة إلى القيم الشاملة للمنظمات، حيث تم تحويل مبنى مربع نموذجي وقسمه إلى أربعة أحجام تلتف بشكل مروحي حول الهيكل الداخلي بشكل يشبه بتلات الزهرة.


كما اعتمدت فكرة تجزئة المتحف كي لا يحجب المتحف إطلالة (قمة بايكس Pikes Peak)، لذلك قرر المهندسون المعماريون تأطير الجبل عن طريق تقسيم المتحف إلى قسمين: مبنى رئيسي مرتفع إلى الجنوب وبنية مقهى أصغر وأكثر ترابطاً مع الأرض في الشمال، مع تشكيل ساحة وسطية بينهما تكون كمدرج غير رسمي.

التصميم والمخططات المعمارية للمتحف:
يتكون مبنى المتحف من ثلاث مستويات، ويضم عدة عناصر، نذكر منها:
بهو الدخول: ويقع في المستوى الأول، حيث يدخل الزوار إلى المتحف من خلال أبواب زجاجية تحت موجة عملاقة من الألواح الألومنيوم.
خلف مكتب التذاكر، يوجد فناء وسطي مربع الشكل يبلغ ارتفاعه 12م، ويحوي مقاعد خشبية بسيطة مصنوعة من خشب الصنوبر (douglas fir glulam benches)، وجدار وسائط ممتد من الأرضية إلى السقف يعرض صوراً للرياضيين متغيرة بشكل دائم.
غُلِّفَ الفناء الداخلي بحواجز GFRG المثقبة (الجبس المقوى بالألياف الزجاجية)، تتخللها أربع شرفات على ارتفاعات مختلفة تطل على الردهة، وتعمل على إعادة توجيه حركة الزائرين إلى هذه الساحة المركزية أثناء تحركهم عبر صالات العرض.
و تُحَقَّق الإنارة الطبيعية عبر نوافذ علوية (Clerestory) ناتجة عن اجتماع البتلات، والتي تُدخِل ضوء النهار الناعم المنبثق من الفناء المركزي، وتنتهي عند النوافذ العمودية الخارجية، بشكل يخلق شقوقاً مائلة من الزجاج على السطح الخارجي للمتحف.


صالات العرض: وهي بشكل بتلات متداخلة تلتف حول الردهة المركزية، وتتوزع على المستويات الثلاثة، وتبلغ مساحتها 2000 م2 ، وتتميز بمعارض تفاعلية غامرة صممها(Gallagher Associates)، حيث صُمِّمَت لتكون المعروضات تفاعلية وقابلة للتغيير كجزء من استراتيجية الحفاظ على عودة الزوار إلى المتحف _حيث مُوِّلَ المشروع بشكل جزئي من خلال قانون السياحة الإقليمية للولاية لدعم هدف المدينة في أن تصبح وجهة سياحية_.
كما تحوي صالات العرض على مجموعة من العروض التقليدية (مجموعة رائعة من المشاعل وميداليات التتابع الأولمبية)، والأنشطة التشاركية كمسار بطول 30م يمكن الزوار من التنافس ضد رياضيين افتراضيين في الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين، وعروض الوسائط المتعددة، بما في ذلك التزلج على جبال الألب.
تحوي التذاكر على نظام تحديد التردد اللاسلكي (RFID)، الذي يساعد على تخصيص تجربة فريدة للزوار، من خلال توفير معلومات حول الرياضات أو الرياضيين المفضلين لديهم، كما يوفر النظام ملخص للزيارة يُرسَل في نهاية الجولة عبر البريد الإلكتروني للزوار، و يُحفَظ السجل للزيارات المستقبلية، مما يساعد على تخصيص تجربة جيدة لشيء مختلف في كل مرة.



المسرح: يقع في المستوى الأول، تبلغ مساحته 200 م2، ويمكن أن يستضيف 130 شخصاً.
يحتوي على صفين من المقاعد القابلة للإزالة لاستيعاب 26 كرسي متحرك كحد أقصى، مما يتيح الفرصة لفريق هوكي أولمبي ذوي احتياجات خاصة بالجلوس معاً.
غرفة اجتماعات مجلس الإدارة: بمساحة 75 م2، وتتميز بشرفة خارجية مجاورة تبلغ مساحتها 50 م2، ونافذة ممتدة من الأرضية حتى السقف تبلغ مساحتها 2.5 م2 تحقق إطلالة على جبال روكي.
متجر المتحف: يمتد من المتحف الرئيسي ويربطه مع الهيكل الثانوي، تمت تغطيته بسقف أخضر يستخدم كشرفات. أما الهيكل الثانوي فيضم العناصر التالية:
المقهى: يقع في المستوى الثاني، ويحوي على خدماته المتكاملة وتبلغ مساحته 260 م2، مع مساحة إضافية لتناول الطعام في الهواء الطلق تبلغ 40 م2، ويمكن الوصول إلى المقهى عن طريق منحدر مائل بنسبة ميل خفيفة يبدأ مباشرة عند مدخل المتحف.
القاعة الثقافية التعليمية: توفر مساحة اجتماعات مرنة يتم الوصول إليها من مبنى المتحف الرئيسي عبر الساحة، وقد صُمِّمَ سقف الهيكل الثانوي بالتعاون مع شركة المناظر الطبيعية المحلية(NES) ومصممي المناظر الطبيعية في نيويورك(Hargreaves Jones)، ليندمج مع التضاريس، كما زُرِعَ بعينات من النباتات المحلية التي تتغير عبر المواسم. ساحة الفعاليات: ناتجة عن تغير الارتفاعات، تقع في قلب مجمع المتحف (في المستوى الثاني أعلى المتجر)، وتفصل بين المتحف في الجنوب والمقهى في الشمال، وتبلغ مساحتها 120 م2، وتتميز بإطلالة بانورامية تمتد من مركز مدينة (كولورادو سبرينغز) إلى جبال روكي.
يمكن أن تفتح الساحة أيضاً على تراس خارجي مجاور بمساحة 50 م2.
كما تحتوي الساحة على مدرج مدمج يتسع لـ 230 شخصاً، ويمكن أن تستضيف الساحة أحداثاً في الهواء الطلق على مدار فصول السنة، من الألعاب الشتوية إلى الألعاب الصيفية.






تشكيل الواجهات:
تبدو واجهة المتحف كالزي الأولمبي الذي يمتد فوق عظام المبنى، حيث يلتف السطح وينحني وينثني على الشكل غير المنتظم، وقد غُطِّيَت الأحجام الأربعة الملتوية (المُكونة للمبنى) بألواح الألمنيوم، التي تُطوى فوق نوافذ عمودية زجاجية تمتد إلى الجزء العلوي من المبنى.
تتكون الواجهة من أكثر من 9000 من ألواح الألومنيوم المؤكسدة المطوية على شكل ألماس متشابك تشبه الحراشف، كل لوح منها فريد من حيث الشكل والحجم، ويتم تحريكه، مما ينتج عنه تدرجات لونية وظلال تمنح المبنى إحساساً آخر بالحركة والديناميكية على مدار اليوم.
وقد أجرى الفريق المعماري العديد من الاختبارات للنماذج والدراسات الرقمية لدراسة تفاعل التشكيل مع الضوء، حيث تعكس الطية في الجزء العلوي للألواح الضوء، بينما يميل النصف الثاني إلى الأسفل عاكساً الظل.
كما استُفيدَ من الأسطح المائلة الناتجة عن الالتواءات بوضع قنوات التصريف المتكاملة، وقد تطلَّب التصميم تخطيطاً دقيقاً، واستفاد الفريق من التكنولوجيا بطرق جديدة لتحقيق ذلك

ما يجعله من أفضل الأعمال المعمارية لعام 2020:
أبرز ما يميز المتحف ويجعله _ ليس فقط كأهم المباني لعام 2020 _ ولكن أيضاً أهم المتاحف ضمن تخصصه، هو إمكانية الوصول، والتي تعد جزء لا يتجزأ من المتحف، حيث استشار الفريق المصمم لجنة من الرياضيين البارالمبيين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للتأكد من أن المتحف _ من الدخول وحتى الخروج _ يمكن الجميع باختلاف أعمارهم وقدراتهم من التجول في مرافق (USOPM) ضمن مسار مشترك، حيث أولاً، يصعد جميع الزوار إلى الطابق العلوي بواسطة مصعد زجاجي، ومن ثم ينتقلون تدريجياً عبر منحدرات (رامبات) لولبية تترتب حولها صالات عرض ترشد الزائرين إلى مسار دوران منخفض يسهّل الحركة بشكل مشابه لمتحف غوغنهايم (Guggenheim) في نيويورك.
وُسِّعَت المنحدرات لتصبح بعرض 1.8m لاستيعاب حركة شخصين بما في ذلك كرسي متحرك، بالإضافة إلى ضمان تلبية جميع متطلبات الكود الأمريكي لذوي الإعاقة (ADA)، وذلك من خلال مواد البناء، منها: الدرابزين الزجاجي لتحقيق رؤية منخفضة الارتفاع، مواقع العكاز المدمجة مع المقاعد، والأرضيات الناعمة لتسهيل حركة الكراسي المتحركة، مع تقليل عدد المقاعد في المقهى التي تعمل على تحسين التجربة المشتركة.


الدور المتوقع من العمل ضمن محيطه العمراني:
لم تُشتَمَل إمكانية الوصول فقط من ناحية التصميم المعماري، ولكن كانت أيضاً من الناحية الحضرية العمرانية، حيث كان للمشروع مهمة حضرية تتمثل في “ربط المدينة بنفسها”، كما يقول(بنجامين جيلمارتن)، وهو مخطط كان قيد التطوير منذ عقود (والذي يتطلب إنشاء ملعب خارجي ومساكن ومكاتب وفنادق ومتاجر التجزئة)، والعمل على تحويل المدينة لوجهة سياحية.
ولإنشاء وصول حضري، حول فريق التصميم نظرهم بعيداً عن الموقع عبر التركيز على معطيات الموقع والعمل على تحقيق تدفق حضري من ساحة خضراء، ويتحقق ذلك من خلال إنشاء جسر المشاة، والذي يمثل بوابة للمشاة ،ويعيد ربط النسيج الحضري ويربط منتزه أميركا الجميل (America the Beautiful Park) مع وسط مدينة (كولورادو سبرينغز).
كما يربط الجسر أيضاً شبكة متنامية من مسارات الدراجات بما في ذلك طريق (قمة بايكس الأخضر Pikes Peak Greenway) وممر المشاة (ميدلاند Midland Trail) الذي يمتد بجانب نصب (كريك Creek).
وبالتالي إنشاء سياق طبوغرافي حول المتحف، وجعله مكان متكامل يوفر كل ما يحتاجه الزوار، حيث المناظر الطبيعية المتناغمة مع الساحة العامة، ويعمل أيضاً على التخفيف قليلاً من صوت مسارات القطارات.

جسر المشاة:
الفكرة التصميمية للجسر بسيطة، مستوحاة من المبدأ الوظيفي للجسر، وهو عبارة عن حلقتان متشابكتان تمتدان من جانبي ساحة السكك الحديدية، وتربطان المتحف والمتنزه، حيث استُلهِمَت الخطوط من حركة الرياضيين التي تتحدى الجاذبية.
يتسع عرض الجسر الآمن الواسع للأشخاص من جميع الأعمار والقدرات، سواء على الدراجات أو سيراً على الأقدام للاستمتاع بإطلالة فريدة.
يبلغ طول الجسر 76 م بارتفاع 7.5 م عن الأرض، تم إكساؤه باستخدام الفولاذ الإنشائي المطلي، إضافة إلى استخدام الإسمنت والزجاج، وزنه 300 طن، حيث بلغت تكلفة الجسر الإجمالية: 18.7 مليون دولار.
كما أُنيرَ الجسر بالاعتماد على مبدأ الإضاءة المدمجة والمصممة لتوفير لون معين وإخراج لومن، لا تحتوي على مصابيح، وذات عمر طويل، وقد استُعمِلَت الإضاءة على طول الجسر وفق اتجاه واحد من جانب مسار واحد، مما يعطي إحساساً بالسرعة والحركة.


الفكرة الإنشائية:
صُمِّمَ هيكل المتحف من فولاذ معقد يلتف وينعطف للأعلى، حيث تتكون الأنظمة الهيكلية الأولية من هيكل فولاذي وأساسات عمود محفور والتي أثبتت فعاليتها من حيث التكلفة والأداء (عادةً ما تُستَخدَم للجسور والهياكل الكبيرة)، بالإضافة إلى أساسات جانبية خرسانية مصبوبة في المكان.
و اعتُمِدَ التصنيع المسبق للهيكل الفولاذي واستُخدِمَ المسح التدريجي بالليزر باعتماد بيانات دقيقة، والذي ساعد على ضمان تنفيذ لا تشوبه شائبة مع تقدم البناء.
كما تضمنت كل قطعة وإطار من الفولاذ رموزاً شريطية للمساعدة في تحديد موقعها بدقة، و زودت المعدات الخاصة طاقم العمل بصوت (اهتزاز أو تغريد) وأضواء وامضة تُطلَق بمجرد وضع العناصر في مواقعها الدقيقة.


أما الجسر فهو مسبق الصنع ومكون من 6 أجزاء مجمعة في الموقع، يعمل نظام الهيكل الفولاذي الهجين ذو المقاومة العالية كقوس ودعامات، ويبلغ عرض الكابلات الفولاذية المقاومة للصدأ 40 – 60 سم.

المتحف الأمريكي الأولمبي والبارالمبي من المباني الغنية بالتفاصيل الدقيقة، حيث لم يُغفَل أي جانب تصميمي من شأنه أن يعطي المبنى مكانته، هدف أيضاً إلى إعطاء قيمة ثقافية وسياحية في آن واحد للمدينة ككل، حيث جمع المتحف الجانب العمراني والمعماري في التصميم بالرغم من تحديات الموقع.
كما مثَّل المتحف الاستغلال الأمثل للتقنيات التكنولوجية، سواء في عملية الإنشاء والتنفيذ أو في صالات العرض، والتي هدفت إلى دراسة حركة الزائر بشكل أمثل وتحقيق تجربة متحفية مميزة ومتجددة باستمرار تتناسب مع الاهتمامات الرياضية الخاصة بكل زائر باختلاف العمر والقدرات.
معرض الصور:
























المراجع:
فريق الإعداد:
إعداد: م. سعاد سفور
نشر إلكتروني: رولان_حسن
التدقيق العلمي: م تانيا ابراهيم
التدقيق اللغوي:تقى اجنيد