أسس التصميم للأطفال الأيتام - مقدمة

هذا المقال من العدد 107، اضغط هنا لرؤية العدد.

المقتطف:

نظرا لفقدان الكثير من دور الأيتام لعناصر التصميم المدروسة والمبنية على خلق بيئة سليمة تنشأ طفل سوي، التي تساعد في ظهور العديد من المشاعر السلبية مثل  مشاعر الحزن أو القلق أو الإكتئاب والحرمان التي تؤدي لمشكلات نفسية. تظهر نتيجة لعدم وضع الطفل في محيط يشبه أجواء البيئة الأسرية..  يهدف هذا المقال لتوضيح كيف يمكن للعمارة تصميم هذا الفراغ الداخلي على أسس ومعايير يكون لها دور واضح وفعال في تخفيف المشكلات النفسية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال، بالإضافة لإمكانية ربط التصميم المعماري بالعامل النفسي حيث دراسة تأثير هذا التصميم بخطوطه المعمارية على نفسية الطفل بمختلف العوامل البيئية الموجودة.

مقدمة:

نتيجة للنمو المتزايد للأطفال الأيتام والذين يقدر عددهم بـ 153 مليون طفل في جميع أنحاء العالم تبعاً لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسيف، حيث تتراوح أعمارهم بين الرضع والمراهقين. حيث  نجم هذا التزايد أيضاً عن المدن المحتلة التي شاع فيها الخراب والحروب، فأصبح هناك الكثير من الأطفال بلا مأوي ولا عائل، فنشأة هؤلاء الأطفال الذين يعانون من فقدان ذويهم  في بيئة مليئة بالضغوطات والمشاحنات فاقدة للدفء العاطفي والنشأة على الفطرة السليمة.

أهداف البحث:

يسلط هذا المقال الضوء على دور العمارة في تطوير وتحسين الصحة العقلية للأطفال الأيتام أثناء العيش في دور الأيتام، كما تهدف الدراسة إلى عمل رسومات تصميمية تفصيلية لجعل الفراغات التي يستخدمها الأطفال تتسم ببيئة صحية ومؤثرة على نفسية هذا الطفل بإيجابية.

المشكلات النفسية للأطفال الأيتام:

يشعر الأطفال بالحزن والخوف والاكتئاب ونقص الدعم العاطفي، وذلك بعد فقدان والديهم، ويمكن أن يشكل ضغط بشكل سلبي على نفسية الأطفال، مما يعزز مشاعر عدم الثقة، والإحراج، والإذلال ، والخوف ، والسلوك غير اللائق.

و كنتيجة طبيعية لمثل هذه المشكلات، يميل الأطفال إلى إظهار سلوكيات عديدة ، مثل تعاطي المخدرات وسلوكيات الإساءة والاعتداء. إذ يواجه الأطفال الذين يعيشون في دور الأيتام صعوبات متعددة بسبب غياب الوالدين  حيث ويفتقدون للمحبة والقيادة ونصيحة الوالدين. وقد أظهرت نتائج الاستطلاع التي أجريت على مجموعة أطفال في دلهي أن التمييز الذاتي كان أكثر انتشاراً بين الأطفال الصغار أو الأفراد الجدد في نظام دور الأيتام، وأحياناً كان هؤلاء الأطفال يجلسون بمفردهم، ويبكون بلا انقطاع، ويعزلون أنفسهم، مما يضر بصحتهم. مما يشير إلى أن النمو العقلي والسلوكي يجسد أهم العوامل في نمو الأطفال.

البيئة التصميمية لليتيم واحتياجات الأطفال النفسية:

لكي ينشأ طفل بشكل سوي لابد من توفير بيئة تدعم الجانب النفسي والمعنوي، الخلقي والتربوي، والروحي وهذا ما ينقص البيئة التي يتواجد فيها الطفل الفاقد لوالديه، فعندما يجبر هذا الطفل على التكيف مع بيئة جديدة غير شاملة للجوانب سابقة الذكر  فهذا ينتج عنه طفل مرتبك، قلق، ضعيف الشخصية قد يصل إلى حد الاكتئاب الذي يؤدي لظهور مشكلة صعوبة التعلم،  إذا لم يتم التشخيص بأن هناك مشكلة تحتاج للتصحيح والتوجيه.

ولعل السؤال المناسب الذي يجب طرحه هنا هو؛ كيف يمكن تصميم دار الأيتام ليساعد الأطفال في التغلب على الحزن والأسى المسيطرين؟.

وقد أكد (فان ميرز – Van Meirs)، مؤسس دار الأيتام في أمستردام: “بأنه لابد من خلق عناصر جذب في البيئة الجديدة تساعد في احتواء الأطفال وتشعرهم بالراحة حيث يجب أن يعج مظهرها الخارجي بالود حتى يؤثر ذلك على الصحة العقلية والبدنية للطفل بشكل جيد. وهناك العديد من المؤسسات التي ترعى هؤلاء الأطفال ولكنها تفتقر في تصميمها للأجواء المنزلية والإلفة التي تبرز المعنى الحقيقي للمنزل وهذا ما يجب وضعه تحت محض الدراسة لتجنب ظهور أي مشكلات”.

تخفيف المشكلات النفسية للأطفال من خلال تصميم دور الأيتام:

هناك الكثير من المهام والواجبات التي تقع على عاتقنا والتي تجعلنا محددين بالظروف المحيطة، حيث لا يمكن اختيار البيئة  أو المجتمع أو المكان الذي ننشأ فيه. فكل ما نملكه هو خيار التغيير و التطوير. لذا يجب الإهتمام بجوانب البيئة المحيطة بالأطفال بما في ذلك التركيز على الحواس وذلك من خلال التصميم المعماري للفراغات وخلق عناصر ومكونات تجذب الأطفال للبيئة. ونجد أن الكثير من الخبراء أوصوا بهذا الإتجاه وهو اعتماد مفاهيم تساعد في جعل هذا الوسط يتميز ببيئة علاجية و استشفائية تخفف من الإجهاد وتتمثل هذه المفاهيم في بناء بيئة محفزة، تفاعلية وإيجابية.

وسيتم تناول كل مفهوم منهم على حدة في الفقرات التالية:

  • تحفيز البيئة : 

كما ذكرنا من قبل بأنه لابد من ربط الطفل فكرياً وروحياً بالمكان ليساعد ذلك في تنشئة طفل سوي منفتح مدرك لما حوله، ويتم العمل على ذلك من خلال تطبيق عدة مفاهيم تساعد على توفير بيئة ذات طابع نفسي جيد، منها خلق بيئة محفزة تساعد في مشاركة الطفل فيها بتوفير عناصر ترفيهية وتشجيعية لحث الطفل على الاستكشاف و تكوين عقليته، كما توفر عوامل تربطه بالبيئة الطبيعية للموقع المحيط به. وتحفيز حواس الطفل يرسل إشارات لدماغه ويعزز تكوين العقل والشخصية، ولكن الأطفال الأيتام الذين يعيشون في مراكز الرعاية المؤسسية على الأرجح لا تتوفر لديهم مثل هذه البيئات والفكر، وهذا ما أشار إليه مربوا الأطفال والاخصائيين النفسيين أنه لابد من توفير محفزات حسية في البيئة التي يتواجد فيها الطفل.

  • بيئة تفاعلية:

“يستخدم الشخص حواسه الخمس عندما يدرك محيطه بالكامل” (رايل،  2009).؛ لذا تهدف العمارة متعددة الحواس إلى زيادة التصورات والمشاعر من أجل التجربة والبناء المعرفي المترتب عليها، وذلك باستخدام جميع الحواس البشرية (فيرميرش، هيليجين، 2012). كما ذكر( ستيفن هول) أن ، “الطريقة التي نشعر بها بالفراغ، الصوت والرائحة لهذه الأماكن ، لها وزن متساوٍ مع مظهر الأشياء” (ص 6) ، وذكر (بالازما – Pallasmaa) أن “كل تجربة مؤثرة في الهندسة المعمارية متعددة الحواس؛ يتم قياس الخصائص الخاصة بالفراغ والمادة والحجم بالتساوي بواسطة العين والأنف والجلد واللسان والهيكل العظمي و العضلات “(بلازما ، 2012: 41).

  • البيئة الإيجابية:

هناك العديد من المفاهيم التي تساعد في خلق بيئات صحية جيدة، منها مفهوم التسلية أو الإلهاء الإيجابي؛ بمعنى توفير عناصر تسلية أو أنشطة تعمل على جذب الطفل إلى هذه البيئة والاندماج معها فتحول أي سلبية أو تخوف من الطفل من فكرة الانسياق مع بيئة جديدة وغريبة بالنسبة له. وهذا المفهوم يتم اتباعه في نهج الرعاية الصحية كأداة تساعد في تسريع عملية الشفاء. حيث يتضمن خصائص لتعزيز التعافي من الإجهاد سواء للمرضى أو الزوار أو موظفي الرعاية الصحية، ومن الممكن أن يتبع أيضاً في دور الأيتام للتغلب على المشكلات النفسية التي تواجه الأطفال وذلك باستخدام الموسيقى والفن كأسلوب ترفيه وكذلك التعرف على الطبيعة المحيطة به التي تساعد على الخروج من حالة الانطواء إلى أن يتفاعل الطفل اجتماعياً مع الأشخاص المحيطين به.

الخاتمة:

يمكن  القول أن تنشئة الأطفال الأيتام في بيئة مماثلة للبيئة المفقودة تتطلب الكثير من المعايير التصميمية المدروسة التي يجب أن تراعي احتياجاتهم النفسية والجسدية والتغيرات التي طرأت على نمط حياتهم، بإنشاء بيئة طبيعية مماثلة تضمن تأقلم الطفل مع محيطه الجديد وتفاعله معه وانتمائه له.

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد:

إعداد: م. وفاء عادل
نشر إلكتروني: تسنيم الحوراني

التدقيق العلمي: م.نور جوانية
التدقيق اللغوي: تقى اجنيد

مقالات قد تعجبك

1
حديقة إفريقيا في تونس
1
برج المسكن 318​
Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
1
مقابلة مع أعضاء من الفريق الفائز بمسابقة اليونسكو لإعادة تأهيل مجمع النوري في الموصل، العراق
Capture
فيلا المستقبل
00Portada_Toulkarem_23
محكمة طولكرم (فلسطين)
Scroll to Top