فيلا في مدينة الغارف، البرتغال من تصميم ريكاردو بوفيل
المقتطف:
لقد كان الدافع الأول للإنسان في محاولته لإيجاد مسكن له، هو البحث عن ملجأ ومأمن يحميه من ظواهر الطبيعة ومؤثراتها ومحتوياتها، ومع مرور الأزمنة وتتالي العقود أصبح المسكن إضافة لوظيفته السابقة الذكر هو ترجمة وتجسيد لأفكار وثقافة الإنسان، فهو مكان محسوس يلبي احتياجات الإنسان الحسية (المادية) والمعنوية ويعكس أفكاره وثقافته.
وهذا بالضبط ما قدمه Ricardo Bofill في آخر أعماله، والتي تمثلت بفيلا سكنية على سواحل البرتغال وسنعمل في هذا المقال على أخذ لمحة عنها والتعرف إليها، متمنين لنا ولكم قراءة ممتعة ومفيدة.
على سواحل algarve في البرتغال أو (مدينة الغرب) كما تسمى باللغة العربية، تقع فيلا سكنية من تصميم المعماري Ricardo Bofill. اتسمت هذه الفيلا بمظهرها وشخصيتها البسيطة وبعمق فكرتها التصميمية، واتسعت آفاقها عن كونها مسكن ذو منفعة وظيفية فقط بل عملت على خلق حوار بين الماضي والحاضر والطبيعة، وذلك من خلال خبرة مصممها المعماري وإبداعه في محاولته صياغة الموقع وطبيعته وتاريخه وثقافته ليمثل بمبنى سكني خاص.
المعماري ريكاردو بوفيل (Ricardo Bofill):
ولد ريكاردو في برشلونة واعتبر واحداً من أهم رواد عمارة ما بعد الحداثة في أوروبا، وفي أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين اشتهر باستخدامه للألوان الجريئة (المشبعة) والتكوينات والأشكال الهندسية الصريحة الجريئة النابضة بالحياة، كما كان معروفاً بتأثره بالعمارة العربية الإسلامية والمتوسطية الموجودة في اسبانيا (الأندلس) والبرتغال، وكان مؤثراً ومتأثراً بمرحلة ما بعد الحداثة في أوروبا مما جعله يتمرد على عمارة الحداثة التي كانت سائدة في السنوات السابقة ويتركها وراءه ويمضي قدماً متبنياً ما بعد الحداثة، شملت اهتماماته اختصاصات أخرى غير العمارة مثل الشعر والأدب والرياضيات والاقتصاد وعكس هذه الاهتمامات في تصاميمه وأعماله المعمارية،
لتختتم حياته عام 2022 وتتوج نهاية مسيرته المعمارية بفيلا سكنية على سواحل الغارف في البرتغال والتي تروي لنا بلغتها البسيطة وعمق شخصيتها عن فكر وأعمال المعماري Ricardo Bofill.
التصميم المعماري للفيلا:
تقع الفيلا على الساحل وعلى علاقة مباشرة مع البحر والمناظر الطبيعية الساحلية المتوجة، وتأتي الفيلا بكتلة وتكوين بسيط (متوازي مستطيلات) ذو واجهات واضحة وبسيطة بمواد إكساء متباينة مثل الحجر المصمت القاسي بدون فتحات، والزجاج الشفاف والناعم والذي يُظهر خلفه الستائر القماشية، وتقع كتلة الفيلا ضمن حقل من الأعمدة ذات التكوين البسيط جداً (حيث العمود هو عبارة عن أسطوانة بدون أي زخرفة أو تغير في المقطع). حيث حاول المعماري أن يجعل الفيلا ذات وجود مهيمن في الموقع و أن تكون ملحوظة وملفتة للنظر من مسافة بعيدة، لتكون هذه القرارات التصميمية هي محاولة من المعماري لمحاكاة واستحضار وجود وتصاميم المعابد الكلاسيكية القديمة في المنطقة ليخلق هذا الحوار أو التناغم بين التراث التاريخي والحاضر ويظهره بحلة عصرية بسيطة وواضحة وجديدة.
كما حاول المعماري استحضار شخصية العمارة العربية الإسلامية في إسبانيا(الأندلس) والبرتغال بطريقته وأسلوبه المميز ، وعمل على خلق حركة وتناغم بين الظل والنور وذلك من خلال استخدامه لتغطية من القماش الرقيق فوق بعض الأعمدة، فتتأرجح وتتراقص هذه الأقمشة مع الرياح الساحلية وضوء الشمس مشكلة ظلال تنعكس على الواجهة، مؤكداً بذلك على إيجاد تباين وتكامل بين المواد المستخدمة وهي:الحجر القاسي والقماش الناعم.
أما في المسقط فتتوزع الفراغات الوظيفية حول فناء مركزي مفتوح على الخارج(البحر) ومتصل معه، مما يسمح بمرور الضوء إلى الداخل. كما تنفتح الواجهة على البحر وتتصل معه بشكل مباشر مؤمنةً إطلالة مميزة للفراغات، بما فيها من أركان المعيشة والجلوس وغرفة الطعام والمدفئة وحمام السباحة.
وهكذا نرى كيف استطاع المعماري Ricardo Bofill أن يختتم أعماله بشكل مميز وفريد، وذلك من خلال تصميم فيلا جسّد فيها تصميمه وعمله الذي يهدف إلى إبراز حقيقة أن المسكن هو أشمل وأكثر من مجرد مكان ليقضي الإنسان وقته فيه، بل هو يحقق كلمة مسكن بمعناها الحرفي (المكان الذي يسكن فيه الإنسان إلى نفسه وفكره، ويلبي راحته). فكان قادراً بذلك على ترجمة تاريخ وثقافة المكان بعمل معماري سكني وبلغة معمارية بسيطة يندمج فيها مع الطبيعة والمحيط ويلبي احتياجات الإنسان الحسية والمعنوية.
معرض الصور:
المراجع:
فريق الإعداد:
إعداد:محمد كريّم بابي
التنسيق: م. سالي الغنطاوي
التدقيق العلمي: م.نور جوانيه
التدقيق اللغوي: م. حنان حداد
نشر إلكتروني: م. طلال اشبانة