نيوم... "مدن الملح" الجديدة

المقتطف:

شواطئ مضيئة تتوهج في الظلام، مليارات الأشجار في بلد تهيمن عليه الصحراء، قطارات سككها معلقة في الهواء، قمر مصنع، مدينة خالية من السيارات وخالية من الكربون مبنية على خط مستقيم يزيد طوله عن 100 ميل في الصحراء. هذه بعض خطط نيوم، وهي مدينة مستقبلية تشكل جزءا من توجه المملكة العربية السعودية لتصبح صديقة للبيئة.”

عنوان المحتوى مستوحى من: رواية مدن الملح وهي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من 5 أجزاء، الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفظ والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط.
 اكملوا معنا لنتعرف على مدن الملح

بعدَ إجراءِ بَحثٍ بَسيطٍ حولَ منطقةِ “نيوم” يُحلِّقُ بنا الخَيَالُ إلى يوتوبيا معماريَّةٍ لا نجدُها إلا في قِصَصِ الخيالِ العلميِّ:

“شواطئٌ مُضيئةٌ تتوهَّجُ في الظَّلامِ، ملياراتُ الأشجارِ في بلدٍ تُهيمِنُ عليهِ الصَّحراءُ، قطاراتٌ سككُها مُعلَّقةٌ في الهواءِ، قَمرٌ مُصنَّعٌ، مدينةٌ خالِيةٌ من السَّياراتِ وخاليةٌ من الكربونِ مَبنيَّةٌ على خطٍ مستقيمٍ يزيدُ طولُه عن مائةِ ميلٍ في الصَّحراءِ. هذه بعضُ خِطَطِ نيوم، وهي مدينةٌ مُستقبليًّة تُشكِّلُ جزءاً من تَوجُّهِ المَملكةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ لتُصبحَ صديقةً للبيئةِ.”

ويَبدو الكلامُ التَّعريفيُّ حولَ (نيوم) ساحراً إلى درجةِ الاعتقادِ بأنَّها ستكونٌ تَتويجَاً لِمَا توصَّلت إليهِ الحَضارةُ الإنسانيَّةُ من تطَورٍ معمَاريِّ وتكنولوجيِّ على مرِّ العصورِ ، ستكونُ التَّمثيلَ الأبهَى للعَمارةِ المُستَدامةِ في ظِلِّ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ، وبحسبِ الموقعِ الرَّسميِّ لـ (نيوم):

تَقعُ نيوم في الشَّمالِ الغَربيِّ للمَملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ، ويَتميَّزُ مُناخُهَا بالاعتدالِ وتضاريسُها بالتَّنوُّعِ والَّتي تضُمُّ شواطئَ مُشمِسَةً وجبالاً تكسُوها الثلوجُ شتاءً ، كما سيُوفِّر موقعُ نيوم الفريدُ لسكَّانِه معيشةً استِثنائيَّةً، على أرضٍ ستُحمَى خمسٌ وتسعونَ بالمائةِ من مساحتِها لأجل الطَّبيعةِ والبيئةِ.

 

ستمتَدُّ نيوم شمالَ غربِ السُّعوديّةِ على مساحةٍ تُقَدَّرٌ بستِّ وعشرين ألفٍ وخمسِمئةِ كيلو مترٍ مربعٍ وهي تعادلُ تقريباً مساحةَ بلجيكا، وستتألّف من عشرةِ مشاريعَ يُشيرونَ إليها بالمناطقِ، وحتَّى الآن تمَّ الإعلانُ عن تفصيلِ أربعِ مناطقٍ هي: ذا لاين – تروجينا – أوكساجون – سندالة.

يُعد مَشروعُ “ذا لاين” ثورةً في الحياةِ الحضريَّةِ، يضعُ الإنسانَ على رأسِ أولويَّاته بمنحِهِ تجربةَ معيشةٍ حضريَّةٍ غيرَ مَسبوقةٍ مع الحفاظِ على الطَّبيعةِ المُحيطَةِ به. وستعيدُ “ذا لاين” تعريفَ مفهومِ التَّنميةِ الحَضريَّةِ ومَا يجبُ أَنْ تكونَ عليهِ المدنُ في المُستقبلِ.

 

تتفرَّد المدينةُ بخلوِّها من الشَّوارعِ والسَّيَّاراتِ وبالتَّالي فهي خاليةٌ من الانبعاثَاتِ الكَربونيَّة، إذ ستُمدُّ المدينةَ بالكاملِ طاقةٌ متجددةٌ بنسبةِ مائةٍ بالمائة ، كما ستكون خمسٌ وتسعونَ بالمائة من مساحةِ نيوم طبيعةٌ محميَّةٌ لَن تُمسَّ. وستُصمَّمُ وسائلُ التًّنقُّلِ والبنيةِ التَّحتيَّةِ لخدمةِ الإنسانِ وليسَ العكسَ كما يحدثُ في المُدنِ التَّقليديَّة. وستبلغُ مدينةُ “ذا لاين” مئتي متراً عرضاً، و مئة وسبعين كيلو متراً طولاً، و خمسمئة متراً ارتفاعاً فوقَ سطحِ البحرِ.

سيحتضنُ “ذا لاين” تسعَ ملايينَ نسمةٍ داخلَ مدينةٍ ستُبنى على مساحةِ أربعةٍ وثلاثينَ كيلو مترٍ مربعٍ فقط، وبالتالي ستصلُ آثارُ البُنيةِ التَّحتيَّةِ إلى أدنى مستوياتِها، لتكونَ النَّتيجةُ مستوياتٍ فائقةٍ من الكَفاءةِ غيرِ المَسبوقةِ في توظيفِ مواردِ المدينةِ. كما سيُضمَنُ المُناخُ المثاليُّ على مدارِ العامِ للسُّكانِ من أجلِ الاستمتاعِ بالطَّبيعةِ المُحيطَةِ والوصولِ إلى جَميعِ المَرَافقِ في غُضُونِ خمسِ دقائقَ مشياً، بالإضافةِ إلى مَنظُومَةٍ مُتكامِلة للتَّنقُّل عبرَ قطارٍ فائقِ السُّرعةِ، يصلُ بينَ أَقصَى نُقطَتين داخلَ “ذا لاين” في مدةٍ لا تتجاوزُ العشرينَ دقيقةٍ.

وأمَّا عن أوكساجون: تبنِي أوكساجون مَنظومَةً صِناعيَّةً مُتقدِّمةً ونَظيفةً تُراعِي مبادِئَ الحفاظِ على البيئةِ، وتُسرِّعُ التَّحوُّلَ إلى الثَّورةِ الصِّناعيَّةِ الرَّابعةِ ومبادئِ الاقتصادِ الدَّائريِّ. أوكساجون هي فُرصةٌ جديدةٌ تُبنَى من الصِّفرِ لتغييرِ مفهومِ المُدنِ الصِّناعيَّةِ التَّقليديَّةِ، وإنشاءِ نموذجٍ جديدٍ يتمَحورُ حولَ الإنسانِ والابتكارِ والاستدامةِ، ومن المُخطَّطِ أن تكونَ أوكساجون مدينةً ساحليَّةً على شكلِ مثمَّنٍ سيتِمُّ بناؤُها على البَحرِ الأحمرِ في أقصَى جنوبِ منطقةِ نيوم. ووفقاً لمُطوِّر نيوم، سيكونُ الميناءُ والمَركَزُ اللُّوجستِيُّ “أكبرُ هَيكلٍ عائمٍ في العالَمِ”. ومن المُخطَّطِ أنٌ يَكونَ التَّرويجُ للمنطقةِ بمنتجعٍ للتَّزلُّجِ في جبالِ السِّرواتِ بالقربِ من شَمالِ منطقةِ نيوم. وسيوفِّر منتجعُ التَّزلجِ والأنشطَةِ الخارجيَّة الَّذي تبلغُ مساحتُه ستينَ كيلومتراً مربعاً نشاطَ التَّزلُّجِ على مدارِ العامِ، ومن المُقرَّر أن يَستضيفَ دورةَ الألعابِ الآسيويَّةِ الشَّتويَّةِ لعامِ تسعةٍ وعشرين وألفينِ. تمَّ التَّخطيطُ لسندلة كمنتجعِ جزيرةٍ داخلَ البحرِ الأحمرِ. وتستهدفُ الجزيرةُ التي تبلغُ مساحته ثمانمئةٍ وأربعين ألفَ مترٍ مربَّعٍ مُجتمعَ اليخوتِ، وستحتوي على مَرسى يضمُّ ستةً وثمانينَ رصيفاً والعديدَ من الفَنادقِ.

بالإضافةِ إلى إِنشاءِ أكبرِ مصنعٍ لإنتاجِ الهيدروجينِ الأَخضرِ في العالمِ.

هذا غَيضٌ من فَيضٌ ممَّا تعدُنا به (نيوم) .. لكن هناكَ تَساؤُلَين مُلِحَّين يتبادَرَان إلى الذِّهن:

التَّساؤلُ الأوَّلُ حولَ التَّناقُضِ الصَّريحِ بين الرُّؤيةِ النَّظريَّة لنيوم والتَّطبيقِ الفعليِّ، حيثُ تضعُ نيوم الإنسانَ على رأسِ أولويَّاتها، في الوقتِ نفسِه الَّذي يتمُّ فيهِ إجلاءُ سكَّانِ المَنطقةِ الأصليِّينَ قَسريَّاً لتَنفيذِ نيوم، عِلماً أنَّ هؤلاء السُّكانِ الَّذينَ يقدَّر تعدَادُهم بعشراتِ الآلافِ وهم من قبيلةِ (الحُوَيطَاتِ)، يسكنونَ هذا المكانَ منذ قرونَ ويعيشونَ في وئامٍ مع الطَّبيعةِ كما هو شأنُ جميعِ المجتمعاتِ المَحليَّةِ في العالمِ.. ممَّا يُذكِّرنا بـ (التَّيٌه) والَّتي هي الجزءُ الأوَّلُ من خُماسيَّة مدنِ الملحِ للأديبِ السُّعوديِّ عبد الرحمن مُنيف، والَّتي يَتحدَّث فيها عن التَّحوُّل الَّذي رافقَ اكتشافَ النِّفطِ في السُّعوديَّةِ وما جلبَه من وَيلاتٍ على البيئةِ والمُجتمعِ المحليِّ..

فكيفَ يمكِنُ أن نثقَ بعمارةٍ تَعِدُ بخيرِ الإنسانيَّة في الوقتِ الذي تدمِّرُ فيه حياةَ النَّاسِ في تلكَ المنطقةِ؟

وأمَّا التَّساؤُل الثَّاني فهوَ حولَ إمكانيَّة تطبيقِ جميعِ أفكارِ وتطلُّعاتِ نيوم على أرضِ الواقعِ، حيثُ يشيرُ خبراءَ وباحثونَ بأنَّ التَّلوثَ البيئيَّ الَّذي سينتجُ خلالَ تنفيذِ منشآتِ نيوم ومبانِيها سيفوقُ الفائدةَ المَجنِيَّة بعد قيامِ نيوم، هذا إضافةً إلى استحالةِ استغناءِ دولةٍ مثلَ السُّعوديَّةِ عن استخراجِ النِّفطِ والاتِّجاهِ إلى الاعتمادِ كليَّاً على الطَّاقات المُتجدِّدةِ.

 

المصادر

فريق الإعداد:

إعداد: راما منير الحمد
التدقيق العلمي:  مروه مروان شقير

التدقيق اللغوي: شام أحمد باشا

نشر إلكتروني: م.ريم صفوان الخلوف

معرض الصور

مقالات قد تعجبك

1
بين السماء والأرض أم على الأرض؟
Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
Untitled-12
كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة
Screenshot 2024-08-30 164804
العدد 111
مقابلة مع المعماري المتخصص في العمارة الداخلية ريشار ياسمين
Amale_Andraos
من الشرق الأوسط إلى الغرب، عن الأكاديمية والعمل. لقاء مع د. امال اندراوس
Scroll to Top