من لعبة ليغو إلى مبنى تجاري! قراءة في تصميم أبراج مارينا توين

مثّل مارينا توين تاورز في مدينة لوسيل القطرية تحفةً معماريةً تجسّد طموح الدولة في التحوّل إلى مركز حضري واقتصادي عالمي. حيث تبرز هذه الأبراج كشاهدٍ على التحوّل الجريء الذي تقوده قطر نحو تبنّي مفاهيم معمارية غير تقليدية، تعكس هويتها الوطنية المتناغمة مع روح العصر، عبر ثنائية أيقونية فريدة تحكي قصة تكامل الشكل مع الوظيفة.

لقد تحدّى هذا الصرح المفاهيم التقليدية للعمارة من خلال دمج التكوينات الإبداعية بالحلول الهندسية المتقدمة، مما يضعه في مصاف المشاريع العالمية الرائدة. ويقدّم هذا المقال قراءة شاملة لهذا المعلم المعماري الفريد، منذ لحظة بزوغ فكرته وحتى مراحل تحقيقها وتأثيرها على المشهد العمراني للمدينة، مسلّطًا الضوء على المفاهيم التقنية التي جعلت منه أيقونة معمارية تفخر بها دولة قطر.

تعريف بالمشروع:

يقع مارينا توين تاورز (Marina Twin Towers) في مدينة لوسيل (Lusail)، إحدى أكثر المناطق حيوية وجذبًا في قطر، حيث يُشكّل جزءًا من المشروع الضخم لتطوير المدينة استعدادًا لاستضافة فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022.

تم الانتهاء من تشييد البرجين عام 2016، وهما برجان متماثلان يبلغ ارتفاع كلٍّ منهما 32 طابقًا، بتصميم مميّز يستوحي شكله من مكعبات الليغو المتراصّة بشكل غير منتظم، مما يخلق تأثيرًا بصريًا فريدًا.

  • تبلغ المساحة الإجمالية للمشروع 98,000 متر مربع.
  • يضمّ المشروع عددًا كبيرًا من المكاتب التجارية الفاخرة المخصّصة للشركات المرموقة.
  • صُمِّم المشروع بواسطة مكتب إي-سكوير للمهندسين المعماريين (E-Square Architects).
  • تولّت شركة ريدلاين للمقاولات (Redline Contracting) أعمال المقاولة الرئيسية.
  • أنجزت شركة قطر ستيل تكنولوجيز (Qatar Steel Technologies) أعمال الإكساء والغلاف الخارجي للواجهات.
موقع البرجين وإطلالتهما الساحلية.

يُعدّ المشروع أحد أبرز المباني في منطقة لوسيل، وقد حظي باعترافٍ واسع وإعجابٍ كبير من المستأجرين والزوار، مما عزّز مكانته كـ مَعلمٍ أيقوني في المجتمع، وجعل منه نقطة جذبٍ سياحيةً ومثالًا يحتذى به في الابتكار المعماري والهندسي.

التصميم المعماري: حيث يلتقي الفن بالهندسة

يعتمد المفهوم التصميمي لمشروع مارينا توين تاورز على رؤية فنية جريئة ومبتكرة تتحدى الأعراف المعمارية التقليدية. ففكرة “مكعبات الليغو” التي اعتمدها المصممون لم تكن اختيارًا عشوائيًا، بل جاءت كتعبيرٍ مقصود عن ديناميكية المجتمع القطري المعاصر وتنوّعه الثقافي.

الألوان الزاهية والمتنوّعة التي تزيّن الواجهة الخارجية للمبنى ترمز إلى تناغم الثقافات التي تتعايش وتعمل في قطر، مما يجعل من البرجين تجسيدًا بصريًا لفلسفة “التعددية في الوحدة” التي تنتهجها الدولة. (Time Out Doha, n.d.)

لقد نجح المصممون في تحويل مفهوم اللعبة البسيطة إلى بيئة عمرانية متكاملة تجمع بين الجمال والوظيفة. فالتكوين غير المتماثل للكتل المعمارية يخلق ديناميكية بصرية تجعل المبنى يبدو مختلفًا من كل زاوية نظر، مضفيًا عنصر المفاجأة والإثارة البصرية على المشهد الحضري المحيط.

ويمثّل هذا التصميم الجريء تحولًا نوعيًا في العمارة القطرية، حيث تخلّت عن النمط التقليدي لتتبنّى مفاهيم معاصرة تعبّر عن الطموح المستقبلي للدولة دون أن تفقد ارتباطها بهويتها الثقافية الأصيلة.

التكوين المعماري والمواد المستخدمة:

استند التصميم المعماري إلى نظام إنشائي متقدّم يتكوّن من هيكل خرساني مقوّى مدعوم بنظام واجهات مبتكر.
تمّ استخدام تقنية (Vanceva™ Color PVB Interlayers) في تكوين الواجهة الزجاجية، والتي تتيح أكثر من 69,000 تركيبة لونية محتملة تتراوح بين الشفافية الكاملة والألوان الصلبة. وتُعدّ هذه التقنية من أحدث الحلول التي تمكّن المصممين من تحقيق الدقة اللونية المطلوبة والتي تشكّل جوهر الفكرة التصميمية للمشروع.


أما المواد المستخدمة فقد تم اختيارها بعناية فائقة لتتناسب مع الظروف المناخية القاسية في قطر. حيث استُخدم زجاج عالي المقاومة للحرارة مزوّد بطبقات عازلة متطورة تحقق أعلى معايير كفاءة الطاقة.


كما صُمّم النظام الإنشائي للمبنى ليتحمّل الأحمال الناتجة عن التكوين غير المتماثل، مع الالتزام بأعلى معايير السلامة الهيكلية لمقاومة الرياح القوية والنشاط الزلزالي.


برج مارينا توين تاورز خلال عمليات التشييد.

التحديات الهندسية والحلول المبتكرة:

واجه فريق التصميم والإنشاء عدة تحديات تقنية كبرى خلال مرحلة التنفيذ، تمثّلت في ثلاثة محاور رئيسية استدعت حلولًا هندسية مبتكرة وغير تقليدية.

أولاً: تحدي الأحمال غير المتوازنة:

شكّل التصميم غير المتماثل للأبراج تحديًا هندسيًا معقدًا في توزيع الأحمال الهيكلية، حيث أدّت الكتل البارزة إلى ظهور نقاط تركّز للأحمال قد تؤثر على استقرار الهيكل الإنشائي.

ولمواجهة هذا التحدي، ابتكر المهندسون نظام جسر داخلي غير مرئي يعمل على نقل الأحمال من المناطق الحرجة إلى الأعمدة المركزية والدعامات الهيكلية الرئيسة.
وقد تطلّب تنفيذ هذا الحل الهندسي المتقدّم نمذجة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة وعمليات محاكاة حاسوبية متطورة لتوزيع الأحمال بدقة قبل بدء المرحلة الإنشائية الفعلية.

صورة توضح بروز الكتل وعدم تطابقها.

ثانيًا: التحدي البيئي والمناخي:

تتميّز منطقة المشروع بتعرّضها لرياح قوية نتيجة ارتفاع المباني وقربها من الساحل، والذي شكّل تحديًا إضافيًا للتصميم الهيكلي، كما زادت الكتل البارزة في الواجهات من تعقيد هذا التحدي، إذ وفّرت أسطحًا واسعة لتأثير قوى الرياح، مما استدعى حلولًا إنشائية دقيقة لضمان استقرار الهيكل.

ولمعالجة هذه المشكلة، ابتكر المهندسون نظامًا متطورًا لامتصاص الاهتزازات يعمل على تخفيف التأثير الناتج عن الرياح، مما يضمن استقرار المبنى وراحته الهيكلية على المدى الطويل.

ثالثًا: تحدي الهوية البصرية:

مثّل اختيار الألوان المناسبة لهوية المشروع في الواجهة الزجاجية تحديًا تقنيًا معقدًا، إذ كان لا بدّ من تحقيق اتساق بصري متناغم مع الحفاظ على متانة المواد ومقاومتها للظروف المناخية. وللتغلب على هذا التحدي، استخدم المصممون تقنية طبقات فانيسيفا كولور البينية (Vanceva™ Color PVB Interlayers)، التي تتيح مزج الألوان بدرجات شبه غير محدودة، مما يمنح الواجهات تنوعًا بصريًا غنيًا مع المحافظة على الأداء الإنشائي العالي.

تقوم هذه التقنية على استخدام شرائح متعددة من راتنج البولي فينيل بوتيرال (PVB) بين طبقتين من الزجاج في عملية التصفيح. وتمتاز هذه الشرائح بقدرتها على إضفاء ألوان ونماذج تصميمية متنوّعة من خلال دمج الطبقات البينية الشفافة والملوّنة بتراكيب مختلفة.

ولا تقتصر مزايا هذه التقنية على الجانب الجمالي فحسب، بل تشمل أيضًا تعزيز متانة الزجاج وتماسكه، وتوفير حماية فعالة من الأشعة فوق البنفسجية، مما يضمن ثبات اللون ومقاومة العوامل المناخية القاسية على المدى الطويل. وهكذا تحقق هذه التقنية توازنًا مثاليًا بين الجمال والمتانة في التصميم المعماري.

صورة توضح زجاج المبنى و ألوانه الزاهية.

كما أُجريت تجارب مكثفة على العينات اللونية تحت ظروف مناخية محاكية للواقع قبل عملية التركيب النهائي، لضمان تحقيق النتائج البصرية المطلوبة مع الحفاظ على كفاءة المواد و استدامتها على المدى الطويل.

الرؤية المستقبلية والأثر المستدام:

يُمثّل مشروع مارينا توين تاورز نقلة نوعية في مفهوم العمارة المستدامة في قطر، إذ يجمع بين الإبداع المعماري والكفاءة البيئية في إطارٍ واحد.
فقد صُمِّمت الأبراج لتكون جزءًا فاعلًا من المشهد الحضري المستدام في مدينة لوسيل، التي تتبنّى أعلى معايير الاستدامة البيئية في التخطيط العمراني والبناء. حيث أسهمت التقنيات المتقدّمة المستخدمة في الواجهات الزجاجية في خفض استهلاك الطاقة عبر تقليل الحاجة إلى التبريد، مما يجعل المشروع نموذجًا رائدًا للعمارة الخضراء في المنطقة.
وعلى المدى الطويل، من المتوقّع أن تصبح مارينا توين تاورز نقطة جذب سياحية وثقافية متميّزة، كونها تجسّد رؤية قطر الوطنية 2030 الهادفة إلى تشكيل بيئات حضرية مبتكرة تعزّز جودة الحياة، وتدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.

إن النجاح التقني والجمالي الذي حقّقه هذا المشروع يفتح آفاقًا جديدة للمهندسين والمعماريين في المنطقة نحو تبنّي مفاهيم تصميمية أكثر جرأة، مع توظيف التقنيات المتقدّمة لتحقيق رؤى مستقبلية متكاملة تجمع بين الابتكار والاستدامة.

صورة من أحد مكاتب مارينا توين تاورز

في الختام، فإن أبراج مارينا توين تاورز ليست مجرد مبانٍ وظيفية، بل هي بيانٌ معماريّ يجسّد روح الابتكار الإبداعية التي تميّز العمارة القطرية المعاصرة. و قد نجح المشروع في تحويل التحديات التقنية إلى فرصٍ للابتكار، من خلال حلول هندسية متقدمة جمعت بين جمال التكوينات المعمارية وكفاءة الأداء الوظيفي.

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد:

إعداد: آية أيمن خرفان
نشر إلكتروني: محمد أنس رستم اغا

التدقيق العلمي: مريم محمد ابراهيم
التدقيق اللغوي:مروه مروان شقير

مقالات قد تعجبك

شكل-1صورة-غلاف
التصميم المعماري ومرض السل
قرى الأطفال
1762458099851
المركز التاريخي لمدينة وارسو
00Portada_Toulkarem_23
محكمة طولكرم (فلسطين)
R095
متجر الجادة الخامسة لشركة آبل - Apple Store Fifth Avenue
صورة شخصية من تكريم جامعة دمشق لأمجموعة توينتي تو
المقابلة مع المهندس سامر مطر
Scroll to Top