مقابلة مع المعماري المتخصص في العمارة الداخلية ريشار ياسمين
نأخذكم في هذا العدد في جولة إلى بيروت مدينة الفن والإبداع، لنلتقي بأحد معماريها المميزين بتصاميمهم ذات الطابع الخاص والذائقة الفريدة، تصاميم ذات بنىً توصف بالمعمارية على جانب، وبالفنية على جانب آخر؛ ما جعلها تأخذ صدىً عالمياً، يتخصص كل من هذه التصاميم بموضوع فني وفلسفي خاص يستجيب لقضايا العصر الراهن، وآخرها موضوع جائحة كوفيد – 19.
نرحب بحضرتك أستاذ ريشار معنا في هذا العدد لنناقش ونحلل أعمالك.
في البداية نود أن تطلعنا على تعريف موجز بمسيرتك المهنية في عالم التصميم الداخلي..
قمت بدراسة التصميم الداخلي وتصميم المنتجات في الجامعة اللبنانية في بيروت، وعملت كمصمم، وترأست قسم التصميم في العديد من الشركات في لبنان والخليج العربي، وفيما بعد بدأت العمل على مشروعي الخاص بتصميم المنتجات ومنذ 15 عاماً سافرت إلى ميلانو في وقت لم تكن الأمور متاحة لمشاركة الخريجين الجدد كما هي الحال عليه الآن، وفي عام 2016 شاركت بأول عرض لي بمدينة ميلانو بالرغم من مشاركات سابقة لي في معارض أخرى كمعرض نالب في فرنسا إلا أن العالم قد تعرف عليّ فعليا أثناء مشاركتي بميلانو، حيث قامت العديد من المجلات والجرائد الأوروبية بالكتابة عن أعمالي، وهذا ما أطلق أعمالي للعالم.
وبعدها بدأت المجلات في لبنان بالكتابة عني، وأعتقد الناس أنني لم أعش في بيروت أو أدرس فيها لكن هذا الكلام لا صحة له، وبالحديث عن تصاميمي فهي غالبا ماتكون ذات مواضيع حساسة ومثيرة للجدل أو تعكس صورة بيروت، فأنا أحب دوما أن يتعرف العالم عليها لا كمدينة مليئة بالحروب والمآسي بل على الجانب الجميل الإيجابي لها.
وبالعودة إلى مسيرتي المهنية أرى أن مخيلتي هي المصدر الأساسي لأعمالي التي أغوص في غمارها على الدوام لأخرج بالتصاميم التي يتفاعل معها الناس. على جانب آخر أود الإشارة إلى عامل هام يؤثر على مسيرتي الفنية، بالعموم نحن جميعا في منطقة الشرق الأوسط لدينا مزيج متنوع واستثنائي من الثقافات والحضارات والأديان، وهذا ما خلق لدينا نحن المصممين في هذه المنطقة اختلافاً يميزنا عن باقي المصممين في العالم، فهذا المزيج أتاح لنا إمكانية الاندماج مع أي ثقافة جديدة، وبالنسبة لي على وجه الخصوص هذا المزيج سمح بتقديم أشياء مختلفة ومتنوعة تعطي أيضا نظرة مختلفة للعالم عن الشرق الأوسط.
يعد مشروع (EL VISO DEL MONDO) "وجه العالم" آخر المشاريع التي شاركتَ بها في أسبوع التصاميم في ميلانو، وقد طُلب منك أن تعكس صورة المدينة بعد الحجر الذي تسببت به جائحة كورونا حدثنا أكثر عن هذه المشاركة..
لاحظنا أنك تستخدم المواد لإيصال فكرة معينة في كل من تصاميمك وتستفيد من خواصها كلغة ورمز يخاطب موضوعا ما، فبالرغم من أن مشروع "وجه العالم" لم ينفذ لكن من الواضح في الصور أن التصاميم كانت ستنفذ بمادة عاكسة، ما دور المادة بالنسبة لإيصال رسالة ورمز معينين ضمن موضوع معين وددت طرحه.
كما نعلم لديك العديد من التصاميم التي لاقت شهرة وانتشار واسعين وقد تحدثت عنها العديد من المجلات والجرائد أحدها مشروع FLOWING FRAGMENTS المستوحى من الحضارتين الرومانية والإغريقية، هل تعتقد أن هذا المشروع يشكل نقطة التحول الفاصلة التي عرفت من خلالها العالم على تصاميمك؟ حدثنا أكثر عن تفاصيله..
بالحديث عن مجموعة "FLOWING FRAGMENTS" نلاحظ في أحدها عنصر القوس نستذكر هنا شيئاً من أعمال المعماري ماريا بوتا الذي يستشهد أيضا بالحضارتين الإغريقية والرومانية هل يمثل هذا أي تأثر به وبفكره؟
بالرغم من أنني أبحث كثيراً وأحب الاطلاع دوماً لكن قد يصل المرء لمرحلة لا يستطيع فيها دوما أن يواكب الأحداث بشكل فوري خصوصا إن كان في مرحلة البدء في خلق الأفكار وعملية التصميم وفي هذه المرحلة على الأخص أجد أنه من السيء القيام بأي عملية بحث أو إطلاع فقد يتشتت المرء، والأفكار قد تكون موجودة عقله الباطن وبحاجة فقط لإخراجها، فالإنسان يختبر دوما أشياء كثيرة في حياته وتتجمع في اللاوعي ودائما ما أقول أننا عندما نقدم شيء، فنحن لا نخلقه من الصفر بل نلتقط الأفكار مسبقاً نتأثر بها ونختزنها، ومن ثمة نعيد صياغتها بشكل غير مباشر، وموضوع الاستلهام مهم جدا لكن الشيء السيء هو التقليد المباشر، وصنع نسخ مقلدة، وقد اختبرت هذا الموضوع من خلال أعمالي، فبعض الأشخاص قد استلهموا منها وآخرين قلدوا بشكل مباشر. وبالعودة للحديث عن المعماري ماريا بوتا وموضوع التأثر بالتأكيد هو معماري مهم جدا لكنني أميل متابعة أعمال مثلا تاداو أندو، إذما تكلمنا على الجانب المهني فهو تجريدي لأبعد الحدود، وكذلك الحال لدي في التصميم الداخلي أما في التصميم على العموم فأنا أميل أكثر إلى الآرت ديكو والآرت نوفو مثلاً، فعندما أصمم طاولة أتبع في ذلك ذوقي وإذا أعجبت شخص آخر يمكن أن يشتريها، لكن في التصميم الداخلي الموضوع مختلف بشكل كلي فبشكل عام لا أستطيع فرض أفكاري على الزبون؛ بل يمثل التصميم ما يريده الزبون مع تقديم بعض النصائح والاقتراحات مني كمصمم، وأعتقد أنني نجحت في التصميم أكثر لأنني كنت دائماً أنقل أفكاري الخاصة وما أريده دون أن أتأثر بشكل مباشر وواضح بأحد.
بالحديث عن مشروع "هوا بيروت "HAWA BEIRUT" هنالك رموز ودلالات تعبر عن صورة مدينة كاملة، حدثنا أكثر عن الدلالات التي حاولت إيصالها من خلال هذه القطع سواء عن طريق الألوان والخامات أو من خلال فكرة التصميم.
بملاحظة ألوان مجموعة "هوا بيروت" نلاحظ توق مخبئ من المصمم، ترمز لصورة وردية مرتبطة بالحلم البيروتي عن طريق استخدام اللون الوردي وألوان الباستيل الخفيفة، فهل هي رسالة أيضا للتعبير عن التوق والحنين والحلم ببيروت الجميلة الملونة المليئة بالحياة؟
في مشروع خيزران فيروز، هناك استخدام صريح لمادة الخيزران التي تضفي طابعاً تقليدياً، في إشارة واضحة للمواد المرتبطة بثقافة المكان وتاريخه، وكما نعلم في مدارس وتيارات التصميم هنالك أشخاص يؤمنون بالإشارة للماضي وآخرين يرون أن لا حاجة إلى ذلك بل على العكس يتجاهلونه معتبرين العالم قرية صغيرة، إذا سألك أحد هؤلاء الأشخاص ما الجدوى من إشارتك المتكررة للماضي وثقافة المكان في أعمالك ماذا ترد؟
نستطيع أيضا في هذا السياق الحديث عن مشروع "SIZE MATTERS" الذي استخدمت فيه أسلوب يتصف بالبدائية "the primitivism" ما هي الفكرة من اختيار هذا الأسلوب، ما الموضوع الذي تود الإشارة إليه؟
بالعودة إلى موضوع الاستلهام والمصادر التي ينبع منها التصميم نأتي لموضوع السياق وهنا نسأل كيف تختار الموضوع الذي تستوحي منه مرتبطاً بسياق العمل الذي يتواجد فيه التصميم؟
كما نعلم أن العمارة كلها واحدة متكاملة إن كانت خارجية او داخلية او عمران، ولكن يمكن أن نستقرأ بعض الفروق بين عالم العمارة كمباني والتصميم الداخلي وعالم تصميم المنتجات، فالمبنى يتواجد في سياق عمراني ويصمم بشكل خاص وأصيل لسياق وبصمة محدد لمرة واحدة لا يصلح أن يتم تكراره وتعميمه على سياقات مختلفة، ما هو الحال بالنسبة لتصميم المنتجات كالمفروشات التي يمكن أن تكون منتجة بكميات كبيرة؟ مع الإشارة إلى أن القطع التي تصممها تبدو وكأنها قطع خاصة جدا لها سياقها الخاص والمعين كما المبنى.
تشير أعمالك الفنية وقطع المجموعات إلى ذائقة فنية فريدة تمتلكها كيف تحاول تطوير هذه الذائقة دوماً والمحافظة على هذا مستوى معين من الذوق من ان يتأثر أو يحيد عن هويته؟
معرض الصور:
فريق الإعداد:
إعداد: م.نور الموسى – م. دانة الدروبي
التدقيق اللغوي: م. محمد طاهر الجبولي
نشر إلكتروني: م. ريم الخلوف