مقابلة مع المعماري المتخصص في العمارة الداخلية ريشار ياسمين

نأخذكم في هذا العدد في جولة إلى بيروت مدينة الفن والإبداع، لنلتقي بأحد معماريها المميزين بتصاميمهم ذات الطابع الخاص والذائقة الفريدة، تصاميم ذات بنىً توصف بالمعمارية على جانب، وبالفنية على جانب آخر؛ ما جعلها تأخذ صدىً عالمياً، يتخصص كل من هذه التصاميم بموضوع فني وفلسفي خاص يستجيب لقضايا العصر الراهن، وآخرها موضوع جائحة كوفيد – 19.

 

نرحب بحضرتك أستاذ ريشار معنا في هذا العدد لنناقش ونحلل أعمالك. في البداية نود أن تطلعنا على تعريف موجز بمسيرتك المهنية في عالم التصميم الداخلي..

قمت بدراسة التصميم الداخلي وتصميم المنتجات في الجامعة اللبنانية في بيروت، وعملت كمصمم، وترأست قسم التصميم في العديد من الشركات في لبنان والخليج العربي، وفيما بعد بدأت العمل على مشروعي الخاص بتصميم المنتجات ومنذ 15 عاماً سافرت إلى ميلانو في وقت لم تكن الأمور متاحة لمشاركة الخريجين الجدد كما هي الحال عليه الآن، وفي عام 2016 شاركت بأول عرض لي بمدينة ميلانو بالرغم من مشاركات سابقة لي في معارض أخرى كمعرض نالب في فرنسا إلا أن العالم قد تعرف عليّ فعليا أثناء مشاركتي بميلانو، حيث قامت العديد من المجلات والجرائد الأوروبية بالكتابة عن أعمالي، وهذا ما أطلق أعمالي للعالم.
وبعدها بدأت المجلات في لبنان بالكتابة عني، وأعتقد الناس أنني لم أعش في بيروت أو أدرس فيها لكن هذا الكلام لا صحة له، وبالحديث عن تصاميمي فهي غالبا ماتكون ذات مواضيع حساسة ومثيرة للجدل أو تعكس صورة بيروت، فأنا أحب دوما أن يتعرف العالم عليها لا كمدينة مليئة بالحروب والمآسي بل على الجانب الجميل الإيجابي لها.
وبالعودة إلى مسيرتي المهنية أرى أن مخيلتي هي المصدر الأساسي لأعمالي التي أغوص في غمارها على الدوام لأخرج بالتصاميم التي يتفاعل معها الناس. على جانب آخر أود الإشارة إلى عامل هام يؤثر على مسيرتي الفنية، بالعموم نحن جميعا في منطقة الشرق الأوسط لدينا مزيج متنوع واستثنائي من الثقافات والحضارات والأديان، وهذا ما خلق لدينا نحن المصممين في هذه المنطقة اختلافاً يميزنا عن باقي المصممين في العالم، فهذا المزيج أتاح لنا إمكانية الاندماج مع أي ثقافة جديدة، وبالنسبة لي على وجه الخصوص هذا المزيج سمح بتقديم أشياء مختلفة ومتنوعة تعطي أيضا نظرة مختلفة للعالم عن الشرق الأوسط.

يعد مشروع (EL VISO DEL MONDO) "وجه العالم" آخر المشاريع التي شاركتَ بها في أسبوع التصاميم في ميلانو، وقد طُلب منك أن تعكس صورة المدينة بعد الحجر الذي تسببت به جائحة كورونا حدثنا أكثر عن هذه المشاركة..

عُرض عليّ المشاركة في أسبوع التصميم بميلانو في أيلول لم أكن أنوي المشاركة لهذا العام فلم أكن بحالة نفسية جيدة خصوصاً بوجود جائحة كورونا، إضافة للأوضاع السيئة التي يمر بها لبنان من حصار اقتصادي، وعدم توفر الأدوية والمحروقات وأموالنا التي حجزت في البنوك. فنتيجة لكل ذلك قررت عدم السفر أو المشاركة، لكن القائمين على الحدث أرادوا أن أكون متواجداً معهم خصوصا أن مشاركاتي في آخر سنتين كانت جميعها مقتصرة على طرق العرض الافتراضية، فتواصلت مع المنظمة التي أعمل معها في ميلانو وطلبوا مني تصوير مقطع صغير يعرض ما أمارسه في حياتي بشكل طبيعي كمصمم، وأتحدث من خلاله عن أعمالي كطريقة لأكون متواجدا ضمن العرض على الأقل من خلال الشاشة ولتحقيق التفاعل مع الجمهور. كان الموضوع بالنسبة لي غير منطقي في البداية، فأنا لست نجم تلفزيوني أو سينمائي ليراني الناس على الشاشة، لكنني وافقت على تصوير الفيديو، وفي نفس الوقت كنت أريد طرح أفكاري حول موضوع جائحة كورونا والحظر الذي تسببت به فقررت أخيرا المشاركة، وأن أقدم مشروع “وجه العالم” “IL VISO DEL MONDO “ هذا المشروع لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، بل تم عرض المجسم ثلاثي الأبعاد للتصميم بشكل افتراضي وقد ظن العديد من الأشخاص والصحفيين الأوربيين أنه منفذ، وقاموا بالاتصال بي وسؤالي عن مكان العرض، بالنسبة لي من المؤكد أنني كنت أرغب بتنفيذ التصميم من أجل المعرض، ولكن الموضوع لم يكن سهلاً خصوصا أن التصاميم ذات حجم هائل وتحتاج لأماكن عرض خارجية أو متحف بمساحة كبيرة. بالنسبة للتصميم وفكرته المستوحاة من فترة الحجرالصحي، فهي تركز على الفترة التي بقي فيها الناس في منازلهم، تلك الفترة التي تراجع التواصل الفعلي بينهم، ولم يعد اللقاء والتعبير عن المشاعر موجودا سواء على مستوى الأعين والفم والأنف والوجه كتكوين حجبته الكمامة وغيرها من التفاصيل. فالوجوه باعتبارها أدوات أساسية للتواصل والتعبير عن المشاعر والانفعالات تمثل تواصلاً حقيقياً بين أي شخصين. كنت أريد أيضاً إيصال فكرة للعالم أن الوجوه الأيقونية ليس بالضرورة أن يكون أصحابها مشاهيراً من المغنيين أو الممثلين أو السياسيين، بل أجد أن وجوه جميع الأشخاص أو وجه أي شخص عادي صالحاً ليكون أيقونة قادرة على التعبير عن قضية ما، وهنا قضية كوفيد على وجه الخصوص. أي أن المشاهير ليسوا فقط من يستحقون أن يكونوا “وجوه أيقونية” بل أي إنسان آخر سواء كان عامل البنك أو عامل النظافة أو كان مدرسا يستحق أن يكون كذلك وأرى أن مشروع “وجه العالم” هو فرصة للتوقف والتواصل مع أرواحنا وتعزيز وعينا بذاتنا، أردت من الزائر رؤية نفسه من خلال انعكاسه في المرآة ويشعر بوجوده بين كل هذا الحشد من الناس كتجربة تفاعلية تمنحه تقديراً لذاته كنوع أيضا من العلاج الذي يحث العقل على تجديد الثقة بنفسه. أما بالنسبة لاختياري أن تتخص الوجوه النحتية بالنساء فأرى أن الأمر يتعلق بمحاولة التركيز على المرأة فهي رمز للاحتضان ووهب الحياة، ورمز للحساسية والتعاطف والدفء والدعم والمحبة، وقد تتواجد هذه الصفات حتى في الرجال لذلك يمكنني القول أننا جميعا ننتمي إليها، هي الأم والأرض والهدية التي ترمز للقوة والحرية والإخلاص والمودة.
أ.د غادة بلال أثناء تقديم العرض
أ.د ريدة ديب أثناء تقديم العرض

لاحظنا أنك تستخدم المواد لإيصال فكرة معينة في كل من تصاميمك وتستفيد من خواصها كلغة ورمز يخاطب موضوعا ما، فبالرغم من أن مشروع "وجه العالم" لم ينفذ لكن من الواضح في الصور أن التصاميم كانت ستنفذ بمادة عاكسة، ما دور المادة بالنسبة لإيصال رسالة ورمز معينين ضمن موضوع معين وددت طرحه.

على سبيل المثال لم أكن لأستخدم جلد في مشروع “وجه العالم” لموضوع يحتاج مادة تمنح تأثير المرآة، والمادة في عملنا تعتبر العنصر الأساسي في التصميم، وبالنسبة لي قد تكون الأهم، في بعض الأحيان أستطيع القول أنّي اعتبر “كحكواتي” بمعنى آخر لا أريد فقط من الناس قراءة ما أكتب عن تصاميمي؛ بل أريدهم رؤيتها والشعور بها كقصة حقيقية ليصبحوا على ارتباط وثيق معها، وقد اخترنا أن تكون الأسطح المحدبة من الفولاذ العاكس المطلي بمادة مقاومة للصدأ -مع أنني أميل لاستخدام المواد الطبيعية- ، وبالنسبة للشعر كان من المقرر أنه سينفذ من أسلاك معدنية ليكون سهل التشكيل وستكون هذه الأسلاك مغلفة بألياف وأنابيب بلاستيكية لمقاومة عوامل الجو إذما وضع في مكان عرض خارجي.

كما نعلم لديك العديد من التصاميم التي لاقت شهرة وانتشار واسعين وقد تحدثت عنها العديد من المجلات والجرائد أحدها مشروع FLOWING FRAGMENTS المستوحى من الحضارتين الرومانية والإغريقية، هل تعتقد أن هذا المشروع يشكل نقطة التحول الفاصلة التي عرفت من خلالها العالم على تصاميمك؟ حدثنا أكثر عن تفاصيله..

لابد من أنه من المشاريع المهمة التي عملت عليها لكن شهرتي في البداية انطلقت من مشروع GLORY HOLES فقد طرحت فيه بعض المواضيع الحساسة، والتي غالبا لايتكلم الناس عنها المرتبطة بقضايا “التابو” والمحرمات في مجتمعنا ضمن إطار فني يكسر الهالة التي يضفيها المجتمع، وفيما بعد أطلقت مجموعة تصاميم أخرى وصولا إلى FLOWING” “FRAGMENTS وقد استوحيت مجموعة “FLOWING FRAGMENTS” من الحضارتين الرومانية والإغريقية، وخصوصا بالأجزاء التي تتعلق بالأعمدة الكلاسيكية لإلقاء الضوء على الاتجار بالآثار، بالإضافة إلى تدمير الأصالة وتهديدها بدلاً من الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الحضاري في مكان آمن. صنعت القطع من ألواح مختلفة من الأحجار الرسوبية والبازلتية لتكوين واحد يحاكي أنواعا مختلفة من العناصر الكلاسيكية مع استخدام أشكال هندسية بسيطة، وهذه المجموعة هي رسالة لحفظ الأجزاء المنسية المتبقية من الحضارات السابقة بالإضافة إلى المساعدة في حماية المواقع المهجورة وحماية تراثنا الثقافي العالمي.

بالحديث عن مجموعة "FLOWING FRAGMENTS" نلاحظ في أحدها عنصر القوس نستذكر هنا شيئاً من أعمال المعماري ماريا بوتا الذي يستشهد أيضا بالحضارتين الإغريقية والرومانية هل يمثل هذا أي تأثر به وبفكره؟

بالرغم من أنني أبحث كثيراً وأحب الاطلاع دوماً لكن قد يصل المرء لمرحلة لا يستطيع فيها دوما أن يواكب الأحداث بشكل فوري خصوصا إن كان في مرحلة البدء في خلق الأفكار وعملية التصميم وفي هذه المرحلة على الأخص أجد أنه من السيء القيام بأي عملية بحث أو إطلاع فقد يتشتت المرء، والأفكار قد تكون موجودة عقله الباطن وبحاجة فقط لإخراجها، فالإنسان يختبر دوما أشياء كثيرة في حياته وتتجمع في اللاوعي ودائما ما أقول أننا عندما نقدم شيء، فنحن لا نخلقه من الصفر بل نلتقط الأفكار مسبقاً نتأثر بها ونختزنها، ومن ثمة نعيد صياغتها بشكل غير مباشر، وموضوع الاستلهام مهم جدا لكن الشيء السيء هو التقليد المباشر، وصنع نسخ مقلدة، وقد اختبرت هذا الموضوع من خلال أعمالي، فبعض الأشخاص قد استلهموا منها وآخرين قلدوا بشكل مباشر. وبالعودة للحديث عن المعماري ماريا بوتا وموضوع التأثر بالتأكيد هو معماري مهم جدا لكنني أميل متابعة أعمال مثلا تاداو أندو، إذما تكلمنا على الجانب المهني فهو تجريدي لأبعد الحدود، وكذلك الحال لدي في التصميم الداخلي أما في التصميم على العموم فأنا أميل أكثر إلى الآرت ديكو والآرت نوفو مثلاً، فعندما أصمم طاولة أتبع في ذلك ذوقي وإذا أعجبت شخص آخر يمكن أن يشتريها، لكن في التصميم الداخلي الموضوع مختلف بشكل كلي فبشكل عام لا أستطيع فرض أفكاري على الزبون؛ بل يمثل التصميم ما يريده الزبون مع تقديم بعض النصائح والاقتراحات مني كمصمم، وأعتقد أنني نجحت في التصميم أكثر لأنني كنت دائماً أنقل أفكاري الخاصة وما أريده دون أن أتأثر بشكل مباشر وواضح بأحد.

بالحديث عن مشروع "هوا بيروت "HAWA BEIRUT" هنالك رموز ودلالات تعبر عن صورة مدينة كاملة، حدثنا أكثر عن الدلالات التي حاولت إيصالها من خلال هذه القطع سواء عن طريق الألوان والخامات أو من خلال فكرة التصميم.

ولدت في مدينة بيروت وعلى الأخص في الأشرفية وهي عبارة عن تلة صغيرة تعتبر إلى الآن مصيف لسكان بيروت، والفكرة من هوا بيروت، هو ذلك النسيم الذي نشعر فيه أيام الصيف، والذي يكون مليء بالروائح والعطور الطبيعية من أزهار الياسمين، والغاردنيا التي تشتهر المنطقة فيها وهذا سبب تسميته بهوا بيروت. والهوى أيضا يعني الحب والشغف تجاه شخص أو شيء ما وبالنسبة لي كان هذا الهوى لبيروت وقد اخترت أن تكون الشراريب من مادة الحرير لنشعر بكلمة نسيم، أما الألوان المستخدمة فهي ألوان الباستيل التي تستعمل بكثرة في طلاء المباني لدينا، وبالعودة إلى كلمة هوا أو نسيم نشعر كم أن هذه الكلمة توحي بالشفافية وبانعدام اللون وكأنها لون باستيلي خفيف، وبالرغم من أنني أحب أن أعكس صورة بيروت لكن بنفس الوقت أحب أن أعكس صورة الشرق الأوسط عموما و فكرة أن لدينا الكثير من الأشياء التي قد يود الآخرين التعرف عليها، فمنطقة المشرق العربي ليست فقط منطقة نزاعات وحروب، بل منطقة مليئة بالجمال.

بملاحظة ألوان مجموعة "هوا بيروت" نلاحظ توق مخبئ من المصمم، ترمز لصورة وردية مرتبطة بالحلم البيروتي عن طريق استخدام اللون الوردي وألوان الباستيل الخفيفة، فهل هي رسالة أيضا للتعبير عن التوق والحنين والحلم ببيروت الجميلة الملونة المليئة بالحياة؟

المشكلة تكمن في الحروب الكثيرة التي عايشناها في مدينتنا، وبالرغم من أننا اليوم لا نعاني من حرب بمعنى الحرب العسكرية، لكننا نعايش الآن حرباً اقتصادية من نوع آخر فقد أصبح قسم كبير من سكان لبنان تحت خط الفقر، وعلى العموم إن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط تحتاج لأن تصبح أفضل، وأن تأخذ الشعوب قسط راحة من هذه الصراعات، فنحن فعلا لدينا توق إلى بيروت المليئة بالحياة والألوان والجمال، كما نعلم أطلق على لبنان في ما مضى لقب سويسرا الشرق لكن بالنسبة لي وبالرغم من كل شيء أومن بالبقاء لنعيد بيروت مرة أخرى كما كانت، وسأواصل دوما الحديث عن الصورة الجميلة لبيروت المليئة بالحياة على أمل أن تعود في يوم من الأيام، لذلك يمكنني القول إنني أوافق على أن هذه الألوان تعكس هذا التوق المخبئ تجاه الحلم البيروتي الوردي.

في مشروع خيزران فيروز، هناك استخدام صريح لمادة الخيزران التي تضفي طابعاً تقليدياً، في إشارة واضحة للمواد المرتبطة بثقافة المكان وتاريخه، وكما نعلم في مدارس وتيارات التصميم هنالك أشخاص يؤمنون بالإشارة للماضي وآخرين يرون أن لا حاجة إلى ذلك بل على العكس يتجاهلونه معتبرين العالم قرية صغيرة، إذا سألك أحد هؤلاء الأشخاص ما الجدوى من إشارتك المتكررة للماضي وثقافة المكان في أعمالك ماذا ترد؟

أعتقد لو لم يكن هنالك ماضي لما وجد الحاضر! وإذا خيّرت بين الماضي والحاضر والمستقبل سأختار الحاضر بالطبع لأن الماضي قد مضى، والحاضر هو الوقت الذي نعيش فيه ونستطيع من خلاله أن نقدم كل ما لدينا والمستقبل مجهول وقد لا نكون فيه حتى، أما بالنسبة للتصميم والعمارة فالحاضر أيضاً مهم جدا لكننا لا نستطيع إغفال أهمية الماضي، فهو الخطوة الأولى التي وضعها أجداد أجدادنا، وكيف بدأوا مثلا بصناعة الأدوات، ومن ثمة قاموا باستخدامها و تطويرها وبسببهم تطورنا تدريجيا على مر العصور، فالموضوع أصبح عبارة عن تراكم حضاري ومعرفي وثقافي وبرأيي أن المعماريين القدماء اللذين شاركوا مثلا ببناء الأهرامات أو روما أو تدمر كانوا مخترعين ومصممين في وقتهم، وهم الذين سمحوا لغيرهم بالوصول إلى اكتشافات أكثر تقدماً، وأعتقد أيضا أننا امتداد لمن سبقنا، فقد يأتي بعد مدة طويلة جداً من ينظر ألينا ويسأل ماذا فعلنا وقد يقول أيضا أنه سيتابع مسيرتنا، وبالنهاية أرى أن الذي ليس لديه ماضي من المؤكد ألّا يكون له مستقبل.

نستطيع أيضا في هذا السياق الحديث عن مشروع "SIZE MATTERS" الذي استخدمت فيه أسلوب يتصف بالبدائية "the primitivism" ما هي الفكرة من اختيار هذا الأسلوب، ما الموضوع الذي تود الإشارة إليه؟

في موضوع هذا المشروع كنت أريد إيصال كيف أن الإنسان انطلاقا من حاجاته يمكن أن يقوم بتصنيع _تصميم_ أي شيء، فمثلا قد يضع أسطوانة فوق أخرى ويستخدمها ليجلس عليها، وأنا في أعمالي عادة ما أكون تجريديا وأحب تقليل العناصر قدر الإمكان، فكانت الفكرة الأساسية للمشروع هي استعمال أقل عدد من الأشكال الهندسية البسيطة لصنع هذه القطع، وكأن من رسمها هو طفل صغير قام بوضع بعض الأشكال كالأسطوانة والمربع فوق بعضها لتشكل كرسياً على سبيل المثال.

بالعودة إلى موضوع الاستلهام والمصادر التي ينبع منها التصميم نأتي لموضوع السياق وهنا نسأل كيف تختار الموضوع الذي تستوحي منه مرتبطاً بسياق العمل الذي يتواجد فيه التصميم؟

في مشروع “SIZE MATTERS” كان الموضوع يتعلق بفكرة الاستهلاك المفرط الذي يتسبب فيه الإنسان سواء على مستوى الطاقة أو على مستوى شراء منتجات لا يحتاجها فهذا الاستهلاك الكبير في الصناعات والطاقات قد انعكس بشكل سلبي على الطبيعة، وعلى الكرة الأرضية ككل واخترت طريقة المبالغة في طرح الموضوع لإيصال الفكرة، فقد كانت الأشكال بسيطة للغاية متوضعةً فوق بعضها لتشكل كرسي لكن بنفس الوقت كانت تحتوي على الكثير من القماش الذي يعبر عن هذه المنتجات التي لا نحتاجها أما بالنسبة للأحزمة التي تشبه حزام الطائرة فهي تمثل عنصر تنبيه للناس بأن يشدوا الأحزمة، ويخففوا استهلاك ورمي الأشياء أو الطعام، ومؤخراً تواصلت معي ماركة ترغب في تنفيذ فكرة المشروع.

كما نعلم أن العمارة كلها واحدة متكاملة إن كانت خارجية او داخلية او عمران، ولكن يمكن أن نستقرأ بعض الفروق بين عالم العمارة كمباني والتصميم الداخلي وعالم تصميم المنتجات، فالمبنى يتواجد في سياق عمراني ويصمم بشكل خاص وأصيل لسياق وبصمة محدد لمرة واحدة لا يصلح أن يتم تكراره وتعميمه على سياقات مختلفة، ما هو الحال بالنسبة لتصميم المنتجات كالمفروشات التي يمكن أن تكون منتجة بكميات كبيرة؟ مع الإشارة إلى أن القطع التي تصممها تبدو وكأنها قطع خاصة جدا لها سياقها الخاص والمعين كما المبنى.

على المستوى الشخصي لا أفضل الإنتاج بكميات في أعمالي، شخصياً أحب أن تبقى القطعة فريدة أو أن يكون الإنتاج بعدد محدود جداً، والفكرة ليست في أن تكون قطعي ذات ثمن باهظ لكنني أحب أن يكون العمل فاخر وفريد، بالطبع لا أمانع إن طرحت شركة علي أن نعمل سوية وأن يكون العمل منتج بكميات محددة، مع العلم إنني أساساً لا أنفذ أعمالي في معامل بل أعمل مع أشخاص مهنين وحرفيين، ومن الجدير بالذكر أن القطع التي تصنع باليد تكون ذات قيمة أكبر لأننا نشعر بهذا التفاعل الغريب والجميل بين المواد ويد الإنسان بالإضافة إلى أن الإنتاج بكميات ليس هدفي، لا أستطيع أن أنتج تصاميمي بكميات كبيرة فالموضوع يحتاج إلى ميزانية كبيرة إن رغبت أساساً بذلك، والفكرة أنني لا أصمم المفروشات بالمفهوم التجاري للمفروشات، بل مخصصة لزبائن يرغبون باقتناء القطعة كقطعة قيمة في منازلهم، وهذا لا يعني أنني لا أهتم بألّا يستطيع العديد من الأشخاص شراء قطع من تصاميمي ولكي يتحقق هذا الأمر علي العمل مع شركة كبيرة تتيح المجال لتكون القطع مصنعة بكميات جيدة وعندها تتصف التصاميم بسمة أخرى واعتبارات مغايرة لتكون ذات تكلفة منخفضة. لكن من حيث المبدأ عملنا الحالي من تصاميم لا يمكن أن يكون بتكاليف منخفضة مع أنني أملك قطع صغيرة من أعمالي ومع ذلك لا نستطيع بالتأكيد أن ننتجها بكميات لكن قد يكون تنفيذها متاح في أي وقت إذما أحب أحد اقتناءها. الموضوع يشبه قطعة معروضة في متحف وتكون باهظة الثمن، قد نفضل عدم شراءها لكننا ندخل ونتمتع بقيمتها كقطعة فنية، فإذا أحب أحد ما رؤية أعمالي يستطيع زيارة المعارض أو رؤية الصور ليتمتع بها كقطع فنية والموضوع مشابه للتصميم حتى بالنسبة لي أنا لا أملك قطعي وتصاميمي منزلي فلدي كرسي عادية وفرش عادي لأنني أومن أن القطعة يجب أن يكون لها سياق معين لتتواجد فيه بالإضافة إلى أنها باهظة الثمن.

تشير أعمالك الفنية وقطع المجموعات إلى ذائقة فنية فريدة تمتلكها كيف تحاول تطوير هذه الذائقة دوماً والمحافظة على هذا مستوى معين من الذوق من ان يتأثر أو يحيد عن هويته؟

أعتقد أن الموضوع يولد مع الإنسان بالفطرة، فمنذ صغري عندما بدأت بالرسم وإمساك الأقلام والأوراق كنت أحاول رسم الملابس والأزياء، وكنت أقوم برميهم لكن جدتي كانت تقوم بالتقاط الرسومات والاحتفاظ بها، وأذكر عندما كنت أذهب مع عائلتي في السيارة كنت أستمر بالنظر إلى الألوان والمحلات التجارية وكان يلفت نظري الأضواء و جميع الأشياء الفنية، وبالإضافة إلى كل ذلك عائلتي الكبيرة كانت تعمل بمجال تصميم وخياطة الأزياء، فجدتي وعمتي كانتا تعملان في تفصيل وتصميم الأزياء وجدي وعمي كانا يصممان ويفصلان الأزياء الرجالية، وعند ذهابي إلى المعمل كنت أقوم بجمع الأقمشة ومن ثمة اختيار الألوان المناسبة مع بعضها لبعض فأعتقد أن كل هذه التفاصيل قد أثرت بي – لكن بالنسبة لموضوع تدريب الذائقة فأنا على العموم أحب قراءة التاريخ قراءة القصص وأهوى التنزه في الطبيعة والتخييم والتأمل بالإضافة إلى هوايتي في التصوير فعند ذهابي للطبيعة أقوم بتصوير النباتات والزهور الغريبة التي لدي فضول في استكشافها.

معرض الصور:

فريق الإعداد:

إعداد: م.نور الموسى – م. دانة الدروبي

التدقيق اللغوي: م. محمد طاهر الجبولي

 

نشر إلكتروني: م. ريم الخلوف

مقالات قد تعجبك

Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
1
بين السماء والأرض أم على الأرض؟
مقابلة مع المهندس باسم البرغوثي
Untitled-12
كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة
01-Villa-Rotonda-Palladio
مراحل تطور بناء الفلل السكنية عبر الزمن
مقابلة مع أعضاء من الفريق الفائز بمسابقة اليونسكو لإعادة تأهيل مجمع النوري في الموصل، العراق
Scroll to Top