محكمة طولكرم (فلسطين)
هذا المشروع من العدد (108)، اضغط هنا لرؤية العدد.
على أعتاب المدخل الرئيسي لمدينة طولكرم الفلسطينية، تتربع هذه التحفة الفنية المعمارية بملامحها الحادة والصريحة، وبطابعها البسيط وانخراطها ضمن الهوية العمرانية المحلية.
تتجسد في محكمة طولكرم بكتلتها المتميزة أساليب يُحتذى بها في تطويع واحترام الوجودية المحلية وإبراز القيم الجمالية للهوية المكانية والأساليب المحلية، حيث يتراءى إلى أبصارنا هذا الصرح المشيّد دالاً على جبروته وسلطته في تعبير واضح عن ماهيته ووظيفته، وإلى جانب ذلك المقدرة التصميمية على إضفاء الراحة الداخلية من خلال عدة عناصر منها الكاسرات الشمسية الذهبية المتلألئة أمام أنظارنا.
معلومات المشروع:
النوع: محكمة
تصميم: مكتب AAU ANASTAS
الموقع: طولكرم/ فلسطين
عام: 2015 – مكتمل في 2016 حسب الآغا خان
المساحة: 8938 متراً مربعاً
جائزة: مرشحة لجائزة الآغا خان 2022

تبدو المحكمة للناظر رمزاً معمارياً بارزاً يلفت الأنظار بشكل صريح ومتميز أثناء دخول المدينة.
يقع مبنى المحكمة في موقع بارز مثلث الشكل عند المدخل الشمالي لمدينة طولكرم بالضفة الغربية، “والتي يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة”، وهي جزء من عملية إعادة هيكلة وتشكيل النسيج الحضري العام.
وصف على لسان المصممين: طولكرم هي بلدة تقع في الجزء الشمالي من فلسطين، على بعد 15 كم غرب مدينة نابلس، وهي معروفة بأنها مركز تجاري للمنتجات من القرى والمزارع المحيطة بالمدينة، حيث أن موقعها الجغرافي في البلاد يجعل طولكرم المدينة الأكثر ازدهاراً في فلسطين ومحطاً تجارياً مركزياً هاماً بحيث تعد عقدة وصل للانتقال التجاري.
الفكرة العمرانية لمحكمة طولكرم:
أثناء دخول طولكرم، يبرز مبنى المحكمة متقدماً كأول مبنى ضخم ذو الواجهة الحجرية المنحوتة، وبعد ذلك يظهر فراغ أخضر واسع قاطعاً المشهد بحيث يقسم قطعة الأرض ويركّز على الواجهة الفولاذية المتلألئة من الفولاذ الخفيف ذات الزخارف الهندسية للمبنى الثاني ويميزها.
تضم محكمة طولكرم المحاكم القضائية والمحاكم الابتدائية.
ينقسم المبنى إلى مبنيين؛ أحدهما مخصص للمرافق الإدارية، بينما يحتوي الآخر على عشرة قاعات محكمة، يتم الوصول للمبنيين عبر درجات حجرية عريضة تؤدي إلى ساحة حضرية مفتوحة(فناء داخلي).
ويتم التنقل والربط بين المبنيين من خلال ممرين (جسرين) مزودَين بجدران زجاجية مفتوحة المخارج والأبواب في المنسوب الأرضي، كما تُميّز الأعمال الحجرية ذات التفاصيل الدقيقة كِلا المبنيين وكذلك الفناء والساحة.



وصف المبنى:
الفكرة العمرانية المقترحة في التصميم هي تحديد متوالية متتابعة من الحجوم .
في طريق طولكرم إلى المدينة، نجد المبنى الأول في الجزء العلوي من قطعة الأرض المثلثية الشكل، وتتواجد فيه الخدمات العامة، بينما يكشف المبنى الثاني عن نفسه إلى جانب المساحات الخضراء للزراعات المحلية المتداخلة والمنخرطة ضمن النسيج العمراني، ويضمّان فيما بينهما الفناء الداخلي كساحة حضرية تفاعلية مفتوحة.
تم تصميم تتابع الكتل والفراغات بشكل متوازن لتوزيع الفضاءات والتشكيل العمراني واستراتيجيات الحماية من أشعة الشمس. ونتيجة لذلك، فإن الفضاء العام (بمعنى المساحة التي صنعها الإنسان) يتباين مع المساحة الطبيعية المزروعة، وحيث أن البناء الحجري والمشربية الفولاذية المتلألئة الخفيفة اللذان يتعرّضان للضغط والعوامل الخارجية، يليهم نحو الداخل فراغات وقاعات بعيدة عن هذه التأثيرات، بحيث تتعارض تأثيرات الظل والنور مع الكاسرات العاكسة للشمس، وتتم فلترة تأثيرها خلال هذه المشربيات المعاصرة.


المبنى الأول (مبنى الدخول والخدمات العامة):
يحتوي مبنى المدخل على إدارة المحكمة بما في ذلك السجلات والديوان وأمين الصندوق وكاتب العدل.
واجهاته الداخلية، على عكس الغلاف الحجري الخارجي، زجاجية مفتوحة ومطلة نحو مساحات خضراء واسعة.
يرتبط المبنى الرئيسي مباشرة بمساحة أمامية عامة، والتي بدورها تركز على السياق العمراني والحضري المباشر للمبنى وتوفر لسكان طولكرم مساحة للتجمع والتفاعل الاجتماعي.
الفرق في المستويات (المناسيب) بين الشارع والطابق الأرضي للمبنى، يخلق مساحة عامة تحفز السكان على استغلال المساحة واستخدامها في أنشطتهم.


المبنى الثاني (مبنى قاعات المحكمة):
مبنى قاعات المحكمة ذو إطلالة مباشرة على المساحات الخضراء المزروعة، واجهاته مصنوعة من غلاف فولاذي متلألئ ناعم، متجاوزاً بذلك مفاهيم الشفافية والسرية، حيث يقوم بتصفية الضوء ونفاذه (إلى جزيرة النضارة المزروعة) إلى الفناء الداخلي النَّضر.



معالجة الواجهات:
تم استخدام الهيكل الخرساني في إكساء الواجهات بإطارات حجرية خارجية (فريمات)، حيث تم تشكيلها ونحتها بأشكال هندسية مختلفة الميول لتحمي الفراغات الداخلية من تأثير الاحتباس الحراري مع توفير مناظر مؤطّرة كبيرة للمشاهد الطبيعية المجاورة، حيث تسهم هذه الإطارات الحجرية في حماية النوافذ العميقة (المتراجعة عن مستوى سطح الإطار المغلف لها) من أشعة الشمس المباشرة في المبنى الإداري وتعمل عمل الكاسرات الشمسية، في حين يتميز مبنى المحكمة بواجهات فولاذية مطليّة (من الفولاذ الرقيق/الخفيف) تعمل على فلترة أشعة الشمس المباشرة، وتم توزيع المبنيين ليشكلوا فيما بينهما فناءً داخلياً يحتوي على مساحات خضراء (على مبدأ الفسحة السماوية في البيت العربي).



ختاماً تخلق الهندسة المعمارية لمحكمة طولكرم حالة توازن من الأجواء المعمارية المتناقضة: الكتلة والفراغ- الطبيعي والمصنوع- الظل والنور…
حيث عمد مهندسو أناستاس إلى استغلال الأساليب المحلية للعمران بأسلوب معاصر بما يحترم البيئة والمحيط، حيث تم تطويع فكرة المشربية العربية في تطبيقها على الواجهات الزجاجية من خلال تطوير شبكة من الفولاذ الخفيف بأسلوب بسيط ومبتكر وفق فضاء عام متميز، إلى جانب إدراج فكرة الفسحة السماوية بأسلوب حديث لتعمل كفناء داخلي وساحة حضرية. كل هذه العناصر بترابطها وانسجامها أتاحت الفرصة أمام صرح متميز كمحكمة طولكرم ليندرج ضمن قائمة المباني المرشحة للفوز بجائزة الآغا خان، لما يحمل تصميمها بين طياته من ابتكار وإبداع من روح الهوية المحلية.
لمحة عن مكتب أناستاس:
هو مكتب معماري تم تأسيسه في فلسطين، يعمل مكتب أناستاس على العديد من المشاريع المحلية في فلسطين وبلدان أخرى، كما حاز على العديد من الجوائز المعمارية.
يوجد المكتب في بيت لحم في فلسطين في شارع كاريتاس، ولهم فرع ثاني في باريس فرنسا في شارع روبيرت دي فليرس.
مؤسسي المكتب هم المهندسون المعماريون من عائلة أناستاس
The Associates/ الشركاء
Georges Anastas/ جورج أناستاس
Architecte D.P.LG / Managing Director/ المدير العام
Pauline Anastas/ بولين أناستاس
Architecte D.P.LG / Projects Director / مدير المشاريع
Jalal Anastas/ جلال أناستاس
Architecte D.P.LG / Construction Manager / مدير الإنشاءات
Elias Anastas / إلياس أناستاس
Architect / Design Director / مهندس معماري / مدير تصميم
Yousef Anastas / يوسف أناستاس
Architect & Civil Engineer / Scales Director / مهندس معماري ومهندس مدني / مدير الجودة
كما تملك المجموعة معملاً خاصاً بهم للتصنيع المحلي للمفروشات، حيث لديهم تصاميمهم الخاصة لمجموعة من الكراسي التي تتميز بالبساطة والمتانة.
تأسس المعمل الخاص بصناعاتهم المحلية في عام 2011 من قِبل إلياس ويوسف أناستاس، حيث كان المعماريون الفلسطينيون، أناستاس، يبحثون عن طريقة لإدخال تقنيات الحِرَف المحلية في عملهم، وينبع اهتمامهم الشديد بالأثاث من أعمالهم المعمارية، وهدف الصناعات المحلية هو أن تقدم للزبائن الدوليين أثاثاً عملياً ومتقناً للغاية يصنعه الحرفيون المحليون، بحيث يهدف إلى إعادة التأكيد على قيمة العمالة والحرف الفلسطينية المحلية دون تجميدها والرجوع بها إلى الدور التقليدي الذي عفا عليه الزمن، إنما تطويرها وتطويعها مع الحداثة والتطورات المعاصرة.
معرض الصور:



















المراجع:
فريق الإعداد:
إعداد: م .أماني حبيب
نشر إلكتروني: محمد انس رستم اغا
التدقيق العلمي: م. بتول النحلاوي
التدقيق اللغوي: م. آلاء علي