تجديد دار نيماير للضيافة (لبنان)
هذا المشروع من العدد (108)، اضغط هنا لرؤية العدد.
تعد جائزة الأغا خان من أعرق الجوائز المعمارية في العالم، أنشأها آغا خان الرابع عام 1977 في مدينة جنيف في سويسرا، حيث تُمنح الجائزة كلّ ثلاث سنوات للمشاريع المميزة،
وفي دورتها الماضية عام 2022 أكدت لجنة التحكيم العليا تميز المشاريع بتركيزها على الشمول وتعزيز التعدديّة في مجتمعاتها. وأعلنت اللجنة المشاريع الفائزة وكانت في بنغلادش وإندونيسيا وإيران ولبنان والسنغال. والحديث في مقالنا هذا يتوجّه إلى لبنان الشقيقة وبالتحديد طرابلس حيث “دار نيماير للضيافة” لأوسكار نيماير.
دار الضيافة التي تحولت من دار إلى مكان لصنع الأخشاب (معمل)، تميزت كونها أدت المهام الوظيفية والجمالية بنسبٍ عالية. فبواجهاتها البسيطة وبحركتها الداخلية الصحيحة، وبذكاء استغلالها من دون تخريب تفاصيل الإنشاء الأساسيّ، استطاعت التغلب على العديد من المشاريع والحصول على لقب جائزة الأغا خان.
من هو أوسكار نيماير:
وُلد أوسكار نيماير (1907-2012) في منطقة التلال في ريو دي جانيرو بالبرازيل ودرس في أكاديمية الفنون الجميلة هناك. تبعت الهندسة المعمارية الخاصة به الأمثلة القديمة – الجمال السائد على قيود المنطق البناء وتميز بأنّه غير مبال بالنقد.
في 1938-1939 صمم الجناح البرازيلي لمعرض نيويورك العالمي بالتعاون مع لوسيو كوستا.
على الرغم من أنه شبه متقاعد الآن، إلا أنه لا يزال يعمل ويرحب بالمعماريين الشباب من جميع أنحاء العالم. و يأمل أن يغرس فيهم القدرة على الإحساس وتذوق الجمال التي سمحت له بالتميز في التصميم.

تجديد دار نيماير للضيافة:
بدأت كلّ القصة عندما كان فرع من وكالة التنميّة الفرنسية يبحث عن منزل لتحويله إلى معمل للنجارة (منجارا)، وهي مبادرة تهدِف إلى صناعة الأخشاب الشهيرة في طرابلس لكنّ البحث استمرّ طويلاً، فتحقيق الشروط أطال البحث بعض الشيء وتوفير منصّة تمكنُ النجارين من مشاركة وتعلّم المهارات والوصول إلى الحرفة وابتكار أدوات فنيّة ومكتبة مواد خاصة لم يكن سهلاً، لكن بعد طول البحث والانتظار وجدوا الراحة والملاذ الآمن في دار الضيافة (في معرض رشيد كرامي).
حيث تم تجديد دار الضيافة وتحويلها إلى منصة تصميم متكاملة حصدت جائزة الآغا خان للعمارة. وبرغم أن المخطط الأساسي جعل منها داراً للضيافة وليس معملاً. إلا أن الحرب الأهليّة اللبنانيّة كانت سبباً لتوقف بنائها وهي على وشك الاكتمال. لذا تركت مدّة من الزمن، الأمر الذي جعل منها أحد المباني المرشحة لأن تصبح معملاً كونها بقيت غير مكتملة وبعيدة عن هيئة دار الضيافة. إلا أنها تحولت لأحد أهم الأعمال الإبداعية التي رشحتها اللجنة لجائزة الآغا خان، بفضل المجهود الإبداعي لأوسكار في التصميم والاحترافية العالية في التجديد. كما أُضيفت الدار مؤخراً إلى قائمة اليونيسكو للتراث العالميّ، وعززّ المشروع وجود الصناعة على الصعيدين الوطنيّ والدولي.

التصميم الداخلي للدار:
وهو عبارة عن مبنى من طابق واحد، يقع على الحافّة الجنوبيّة الغربيّة للمدخل الرئيسيّ للمعرض. يشغل الطابق الأرضي مساحة 2500 متر مربع فوق قبو جزئي. يصل الضوء إلى الفراغات الداخلية للدار جميعها بفضل فناء مركزيّ موجود في الطابق الأرضي، بينما يرتكز الطابق العلوي على أربعة أعمدة وتظهر المساحة “الأفقيّة” تحته مجردّة.
تُهيمن الخرسانة ذات الوجه الخشن على دار الضيافة من الداخل إلى الخارج، ومع ذلك تمّ استخدام الحجر على بعض الجدران الداخليّة “وهذا غير شائع في العمارة الداخليّة” مما ترك أثراً مميزاً. لم يكن أمر التعديل بتلك السهولة حيث طُلب التدخل في مبنى غير مكتمل يصعب التعامل معه وتعديله. فتمّ الحفاظ على المخطط المفتوح الواسع المحيط بالفناء وتقسيمه برمجيّاً إلى سلسلة من المساحات تستوعب احتياجات الوظيفة الجديدة المطلوبة، ويتمّ تعريف المساحات من خلال سلسلة من التقسيمات الفولاذيّة والزجاجيّة خفيفة الوزن التي تشكل الشبكة الهيكليّة للسقف كما وتتصل المساحات ببعضها البعض وبساحة الفناء بصرياً، ليتردد صدى الضوء والظلِّ والشفافية في إيقاع مَرِح كاسرٍ للملل، مما يسمح بالانفتاح أو الفصل عند الحاجة ومما يسهلّ التعديل في أيّ وقت.



التعديلات على دار الضيافة قبل التجديد:
حين وصل الأمر للتعديل كان الحلّ بالتفكير بطريقة تحافظ على روح المكان وتجنب تخريبه لذا بقيت مواد الإكساء كما هي، كذلك الدرجات اللونيّة المقترحة بقيت على الحالة التي وُجِدَ عليها المبنى لأول مرّة “اللون الرماديّ الخرسانيّ غير المكتمل”.
ساعد اللون الرمادي الجارد والملمس الخشن للخرسانة في إضفاء إحساساً بالخلود والتوازن والقوة والراحة النفسية في الوقت ذاته، كما وساهمت أحاديّة اللون المنتشر من الأسقف والجدران إلى أعمال المطاحن والإطارات المعدنيّة في الكشف عن جمال تفاصيل التصميمات الداخليّة الأصليّة للمبنى وإخفاء التباين وزيادة الضوء المنتشر.
من أهم مميزات هذا المشروع هو مستوى الاهتمام في تفاصيل العمل أثناء التعديل والأخذ بعين الاعتبار إمكانية العودة إلى الشكل الأصلي يوما ما، فيمكن لبيت الضيافة في يوم من الأيام استعادة استخدامه الأصليّ في أي وقت، فيمكن إزالة الأقسام خفيفة الوزن ككل، وافساح المجال لتطبيق برنامج وظيفي آخر؛ أي إن سلامة بنية المبنى الأصليّ ستبقى كما هي.



وفي الختام هذه الدار تأكد لنا أنّ الكمال ليس كلّ شيء والنقص يمكن أن يكون سبباً في الوصول إلى القمّة. ففي هذه الجائزة بحثوا عن الجودة في العمل والتميز في التفكير، ولم يلقوا بالاً للماديّات والكماليات. فنجحت دارُنا بدمجها بين الإبداع وتحكيم العقل، وتقدير الإمكانيات و المتاحات في إنجاز عمل مميز استحقّ وعن جدارة دخول المنافسة وكسبها.
المراجع:
فريق الإعداد:
إعداد: سوزان أدهم الحلبي
نشر إلكتروني: محمد انس رستم اغا
التدقيق العلمي: م. أمنيه شيخه
التدقيق اللغوي:م. حنان حداد