المباني الخالية من الكربون في مشروع اوربان فورست في روتردام(URBAN FOREST)

نقضي %90 من وقتنا في المباني التي نعيش ونعمل فيها، ونتسوق وندير أعمالنا، في الهياكل التي تدفئنا شتاءً وتبردنا صيفاً. ولكنها تحتاج إلى طاقة هائلة لتوريد مواد البناء وتصنيعها، ولتزويد
مواقع البناء بالطاقة، والحفاظ على البيئة العمرانية وتجديدها.
وفقاً لتقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد
الكربون إلى النصف بحلول عام 2030 حتى يصبح إجمالي المباني خالياً من الكربون بحلول عام
.2050 وهنا يبرز الابتكار في مجال الاستدامة الحضرية لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة من خلال دمج استراتيجيات التشجير الحضري مع الامتداد المتزايد للعمران بهدف الوصول إلى المباني الخالية
من الكربون.

وتقدم مدينة روتردام الهولندية نموذجاً مبتكراً في هذا المجال سنتناول دراسته ضمن سطور مقالنا، لنوضح كيف يمكن تحويل المناطق الحضرية إلى مساحات خضراء! وكيف أثبتت تلك المدينة أن مشاريع الأبنية الخالية من الكربون ليست خيالاً علمياً بل واقعاً يمكن تنفيذه!

فائدة الغابة الحضرية (اوربان فورست forest urban):

إن بناء الغابات الحضرية (أي مباني مع عناصر خضراء) في ظل الظروف المناخية المتسارعة من
شأنها أن تجعل المدن ذات الكثافات المرتفعة صحّية وملائمة للعيش، كما أنها تخفف من نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات البناء والتشييد، وتزيد فرص التخلص من الكربون ضمن البنية التحتية، وتحقق الاستدامة الاقتصادية

مفهوم المباني الخالية من الكربون:

هي أبنية ومشاريع ذات نظام يقوم على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون خلال دورة حياة المبنى، عبر:
1 .تحسين الأداء الحراري من خلال التوجيه المناسب مما يخفض استهلاك الطاقة.
2 .استخدام النباتات والعناصر الحيوية لامتصاص الكربون بيولوجياً
3 .توليد الطاقة المتجددة النشطة.

لماذا روتردام مدينة هولندية رائدة في المباني الخالية من الكربون؟

يعود ذلك لعدة عوامل أهمها:
● موقعها الجغرافي تحت مستوى سطح البحر مما يجعلها تتأثر بالتغيرات المناخية التي دفعتها لإيجاد حلول عمرانية مستدامة.
● سياستها الحضرية التي تهدف لتحقيق الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2030 وفق خطة روتردام للاستدامة.
● الابتكار من خلال جهود المدينة في دعم معهد البحوث الحضرية المستدامة وعدة شركات رائدة في التصميم البيئي

الغاية من مشروع الغابة الحضرية (Forest Urban )في مدينة روتردام:

هو مشروع يهدف إلى زيادة المساحات الخضراء وتحقيق الاستدامة الحضرية من خلال زراعة النباتات
والأشجار في المناطق الحضرية، كما أنه يدرس كيفية تحويل المدن الى فضاءات مستدامة، من خلال
تحقيق مجموعة من الأهداف وهي:
● تقليل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عبر زيادة الغطاء النباتي الذي يساهم في إزالة الكربون
من الغلاف الجوي، واستخدام مواد بناء منخفضة الكربون مثل الخشب الهيكلي.
● تخفيض درجات الحرارة في الجزر الحرارية لمدينة روتردام.
● تخفيف التلوث الهوائي والضوضائي.
● تعويض الطاقة بمصادر متجددة. (2021 ,Rotterdam Gemeente)

أهم مشاريع الغابة الحضرية (Forest Urban )في مدينة روتردام- هولندا:

1. مشروع sawa:
مبنى سكني دائري خشبي يقع في روتردام، وهو مشروع مبتكر يهدف إلى تحقيق الاستدامة والاندماج مع الطبيعة يتميز ببنائه من الخشب الرقائقي المتقاطع (CLT)، مما يجعله صديقاً للبيئة وُيقلل من انبعاثات الكربون. كما يركز المشروع على تعزيز التنوع البيولوجي من خلال توفير مساحات خضراء للنباتات والحيوانات. وُيعد من مباني الغابات الحضرية لخلوه من انبعاثات الكربون.

2 .حديقة Dakpark The أول غابة حضرية في روتردام:
في مدينة روتردام قرب نهر الميز (maas )في منطقة Schiehaven كان يتواجد مركز تسوق
مهمل فقررت بلدية روتردام بدلاً من هدمه إعادة استخدام هيكله الخرساني لتطبيق فكرة الاقتصاد
الأخضر عن طريق زراعة سطحه وجعله حديقة حضرية على امتداد 1 كم، حيث تمتد المساحات
الخضراء فيها على مساحة 12000 كم مربع.
الفوائد التي حققتها روتردام بإعادة المبنى للاستخدام:
● تجنب انبعاثات 500 طن من ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الهدم والتشييد من جديد.
● إضافة العناصر الخضراء إلى منطقة حضرية ذات كثافة في المدينة.
● تحويل المناطق القديمة إلى أماكن مستدامة ذات عنصر أخضر.
● استراتيجية المرونة التي أطلقتها بلدية روتردام لتحقيق الاقتصاد الدائري الأخضر ومواجهة
الظروف المناخية وإعادة تأهيل المناطق الصناعية باستخدام المساحات الخضراء.
دراسة المبنى تصميمياً وكيفية تحقيق الحياد الكربوني فيه:
حقق المشروع الحياد الكربوني عن طريق أنظمة بيئية مصغرة ممثلة في نموذج من الغابة الحضرية
اعتماداً على ثالث آليات:
1. آلية خفض الانبعاثات الناتجة عن البناء والتشييد نرى ذلك ب:

● استخدام هيكل المبنى السابق بدالً من الهدم وإعادة البناء.
● استخدام المواد المعاد تدويرها في الأرصفة والمقاعد.
● الطاقة المتجددة الناتجة عن استخدام إضاءة LEED بالطاقة الشمسية ● التهوية الطبيعية مما يقلل الحاجة إلى أنظمة تبريد صناعية.

2. آلية التعويض حيث تعمل الغابة الحضرية كالرئة على:

● تجميع مياه الأمطار مما يعمل على تنظيم المناخ المحلي.
● توفير طبقات نباتية تعمل كعازل حراري.
● التركيب الضوئي (Photosynthesis): يعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى طاقة للنباتات تنتج الأكسجين.
● تخزين الكربون في الكتلة الحيوية Biomass : يبقى الكربون مخزناً ضمن كل جزء لنبتات جديدة. من النبات حتى بعد موته ليكون سماداً جيداً
● التربة كمستودع كربون Sink Carbon :يبقى الكربون محبوساً ضمن التربة لسنوات طويلة
(WUR, 2019) (Gemeente Rotterdam, 2021) .

3 .آليات التكيف المجتمعي التي تساعد في خلق نمط صحي للسكان:
● تصميم مسارات مخصصة للدراجات والمشي.
● توزيع فراغات ترفيهية.
● تصميم مساحات تشاركية للزراعة الحضرية.
● مقاعد مظللة بنباتات لتحسين جودة الهواء والمظهر الجمالي.
“مقتبس من حلول قائمة على الطبيعة من برنامج الأمم المتحدة UNFP”
الجوائز والتقييمات الحاصل عليها المشروع:
● Outstanding BREEAM أعلى معايير الاستدامة.
●Rotterdam Sustainability Award 2013 ● مطابقة للهدف رقم 11 SDG من أهداف التنمية المستدامة 2030 (جعل المدن والمستوطنات
البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة).
كيفية الاستفادة من هذا المشروع وتطبيقه في مناطق أخرى؟
يمكن الاستفادة من تطبيقات هذا المشروع عبر:
● تحويل الأسطح غير المستغلة إلى مساحات خضراء باستخدام نباتات محلية تتحمل ظروف كل
منطقة.
● تصميم أنظمة ري تعتمد على مياه الأمطار.
● دمج حلول الطاقة المتجددة (الألواح الشمسية) ضمن المجمعات العمرانية.
● استخدام مواد معاد تدويرها في أنظمة البناء والتشييد.
● تحويل المناطق الصناعية المهجورة إلى مباني حضرية مستدامة.

ختاماً من الضروري أن نجد متنفساً طبيعياً ضمن وتيرة أيامنا المتسارعة؛ وهنا تبرز لنا المباني الخالية
من الكربون ضمن مفهوم الغابة الحضرية (forest Urban )أهمية أن تنبت ضمن بيئتنا العمرانية
بعض الحياة الخضراء، لتعيد الطاقة والنقاء للهواء، وتعمل كمكيفات طبيعية دون إرهاق واستنزاف
للموارد الطبيعية!