التميز في العمارة - لقاء مع المدير المؤسس لجائزة تميّز أحمد الملّاك

تعد جائزة تميّز من أكثر جوائز العمارة والتصميم تقديراً في الشرق الأوسط. وهي جائزة عالمية كانت الأولى والوحيدة للتميّز المعماري في العراق في وقتها. أسسها عام 2012 الأكاديمي في جامعة كوفنتري البريطانية المعماري العراقي أحمد الملاّك و أطلقت بنفس العام. وفي عام 2016 أصبحت الجائزة عالمية والمشاركة في جوائزها السبعة مفتوحة للمعماريين والمصممين في أنحاء العالم.
إن جائزة تميز للعمارة هي جائزة مستقلة غير تابعة لأي منظمة او جهة حكومية وهي بأكملها ثمرة جهود تطوعية لفريق من المعماريين الشباب في العراق والأردن والمملكة المتحدة. والجائزة بأكملها هي ثمرة جهود تطوعية لجميع من شارك فيها من الحكام وفريق عمل الجائزة والشركات الراعية. وتشهد الجائزة نجاحاً غير مسبوق من حيث تزايد عدد المشاركات والمشاركين في كل عام منذ تأسيسها.
الراعي الأكاديمي لهذه الجائزة هي جامعة كوفنتري البريطانية، ومحكّمو الجائزة هم مجموعة من الأكاديميين والاستشاريين في مجال العمارة.
أحمد الملاّك معمارٌ أكاديمي في جامعة كوفنتري البريطانية، والمدير المؤسس لجائزة تميّز للعمارة والمؤسس الشريك لمجلة المدينة المدورة،و هو أيضاً زميل في المعهد الملكي للفنون في بريطانيا.

لماذا جائزة تميز؟ من أين بدأت الفكرة ولمَ؟

أنا خريج الجامعة الأردنية في عمان، وقد سافرت في عام ٢٠١٠ إلى بريطانيا لدراسة الماجستير. عندما بدأت دراسة الماجستير تعرفت على المعماريين الزملاء في لندن ودخلت أكثر في العالم الأكاديمي خارج الوطن العربي وخارج الشرق الأوسط، عندها اكتشفت أن شهادتي المعمارية غير معترف بها من قبل الهيئة المسؤولة عن المعادلة، أي البكالوريوس في المنطقة العربية لا تعادل دراسة ٥ سنوات، بل تعتبر ٣ سنوات دراسية إذا ذهبنا الى بريطانيا مثلا، فكأن تلك السنين ضاعت، أحسست بالخلل، وعندما بحثت وجدت أنه يوجد فقط جامعتين في المنطقة العربية يعترف بشهادتهم لدى هذه الهيئة (ARB) و هما العربية في بيروت والإسكندرية في مصر، كنت افكر وأرى زملائي القادمين إلى بريطانيا لا يكملون في مجال العمارة، بل يتابعون دراسة اختصاصات مختلفة، وهو الأمر الأسهل والأقل تكلفة. ومن تجربتي الشخصية بعد تخرجي شاركت في مسابقات معمارية كمصمم وفي نفس الوقت كنت أبحث عن عمل، ودائماً كانت الشهادة عائق في هذا الموضوع، ولكن بعد أن فزت في مسابقة معمارية (مسابقة تصميم حضري في موسكو للمعماريين الشباب)، تغير الوضع وأصبحت الشركات ترغب بإجراء المقابلات معي للتعرف على هذا المعمار الفائز بمسابقة تصميم، ومن الأبواب التي فتحت لي اخترت الجامعة والمجال الأكاديمي في ٢٠١١، عندما دخلت الجامعة أصبح لدي بعض العلاقات وتعرفت على مكتب زها حديد وعلى زها شخصياً، بالإضافة إلى العديد من الزملاء في لندن، وقررت أن أحاول تمهيد الطريق على الخريج العراقي عند تخرجه ورغبته في العمل، علنا نعالج هذا الإشكال الذي تعرضت له، فقررت أن أؤسس جائزة مشاريع التخرج المعمارية في عام 2012، بحيث تكون المجموعة المحكمة لها أكبر من الأشخاص الذين يحكمون على شهاداتنا ويقررون قبولنا أو لا، ومن هنا بدأت الفكرة مع جائزة مشاريع التخرج العراقية، كانت رئيسة لجنة التحكيم وإحدى رعاة الجائزة في السنة الاولى المعمارية زها حديد، وكان من الرعاة مجموعة من الشركات المعمارية في إنكلترا والشرق الأوسط، وهذه هي الفكرة الأساسية التي انطلقت منها، واكتشفت لاحقاً انها ليست فقط مشاكل طلاب ضمن الجامعة، ولذلك كل سنة نطرح المزيد من الجوائز ونحاول معالجة مشاكل جديدة تُطرح ونتعرض لها، ونقدم لها ربما حل أو على الأقل نوع من تسليط الضوء والمساعدة.

السيد أحمد الملَاك مع المعمارية الراحلة زها حديد

يوجد العديد من الجوائز المعمارية العالمية، أين تكمن الحاجة في وجود جائزة من منطلق عربي؟

في البداية عندما كنت أدرس في الجامعة الأردنية كان هناك ثلاث جوائز أردنية، واحدة منهم هي العمرانية والتي أصبحت عربية، عندما نتكلم عن تميز، في البداية كانت جائزة عراقية، ليست عربية ولا عالمية، فقط جائزة مشاريع تخرج الطلبة العراقيين في الجامعات العراقية. مشكلة العراق أنه في عزلة، منذ أكثر من ٤٠ عام من تأسيس تميز، و الزملاء العراقيون الذين خرجوا من هذه العزلة خرجوا كأفراد ولم يحاولون فتح المجال للبقية ، ولذلك كانت أول ٥ سنوات من عمر الجائزة عراقية وللعراقيين فقط. و بين عامي ٢٠١٤و٢٠١٥ قال لي زميل الدراسة المهندس أسيد العيطان – وهو محكم في عدة جامعات أردنية – أن هذه الجائزة مختلفة، واقترح أن نخصصها للطلبة خارج العراق، وكان ذلك عندما أطلقناها للعالمية.. فهي الآن جائزة عالمية، ولكنها عربية في نقطة أساسية ألا وهي التحديات المطروحة، فنحن نسعى لطرح التحديات العربية والمواضيع الحقيقية التي تعنينا، وهي مواضيع قليلة الطرح و من القليل أن نجد مسابقة ذات موضوع عربي. منذ عام ٢٠١٧ لحد الآن نطرح مسابقتين بموضوع عربي كل عام.

ما هي الصعوبات التي واجهتكم خلال رحلتكم؟

أكبر مشكلة يمكن مواجهتها في العالم أن يكون عمرك 24 سنة (يقول ضاحكاً)، أن تكون شاباً أصغر في العمر من كل الذين تتعامل معهم وألا يأخذوك على محمل الجدّ. في أكثر من مناسبة عندما أُقدّم يُعتقد بأنني ابن الشخص المؤسس لصغر سني، في تأبين الراحلة زها حديد مثلاً سألني الشخص المسؤول إن كنت حاضراً بالنيابة عن أحد ما، فالعمر كان يشكل عقبة كبيرة، لأن تأسيس الجائزة لا يمكن أن يتم بشكل فردي، نحن لدينا ٨٨ محكم في لجنة التحكيم وحدها، بالإضافة للحاجة لرعاة ، فكيف يمكن اقناع هؤلاء الأشخاص بالاستثمار في الجائزة والشباب ربما هي مشكلة انعدام ثقافة دعم الشباب، أو الاستثمار في الشباب. لا أنكر أنني محظوظ بمعرفة الأشخاص الذين ساندوني في دعم تميّز والإيمان برسالتها. وعادة لا أشعر بالخجل عند طلب شيء سأقدمه لغيري، فلا استحي من طلب الرعاية لطلابنا وزملائنا، لكنه ليس أمراً سهلاً.. وهو غير منتشر في ثقافتنا، مثلاً تخصيص مبلغ سنوي لدعم الشباب، هنا في بريطانيا جزء من ضريبة الشركات تذهب في سبيل تدريس وتدريب العاملين لديها و تخصم منها في حال دربوا الشباب أو لا لذلك ترى أن الشركات تدفع بموظفيها باتجاه التدريب والتعليم المستمر، المصاعب كثيرة بالطبع.. يوجد مصاعب ناتجة عن الحروب في المنطقة مثلاً والوضع الاقتصادي والسياسي، فالذي يواجهنا في العراق أو سوريا أو لبنان مثلاً، ليس كالذي يواجه الطلاب في الغرب بشكل عام.

تميز هي جائزة معمارية، ولكن خُصّصت جوائز مختلفة للفنون كذلك، ماهي العلاقة التي ترونها بين العمارة والفن ولماذا اخترتم تخصيص جوائز في هذا المجال؟

لدينا في تميز جائزة ضياء العزاوي للفن العام التي أطلقناها هذه السنة، وهذه الجائزة هي أيضا نتيجة لمشكلة لاحظناها، نحن نواجه مشكلة في الفضاء العام والفن العام -وهي موجهة للعالم العربي- وهذه المشكلة هي التدهور في الذوق، والتدهور في الفضاءات العامة والاعتناء بها والاهتمام بها، جزء من هذه الجائزة التي وضعنا فيها خلاصة عشر سنوات من الخبرة، هو تسليط الضوء على هذه المشكلة، إذا لاحظنا تصميم النصب وتصميم الفن العام وأي شيء له تأثير على الذائقة الفنية أو الحضرية للناس، نرى أن الشخص المسؤول عنها غالبا غير مختص أو شخص يتخيل أن لديه القدرة على أخذ دور الفنان والمعماري والمخطط والمنفذ وكافة الأدوار، جزء من هذه الجائزة هو تكوين مادة أكاديمية على أساس المشاريع التي سوف نستلمها وتقارير لجنة التحكيم والباحثين الذين يعملون على اختيار المشاريع، ما نريد الوصول إليه هو تسليط الضوء على أمثلة جيدة للفن العام، بالإضافة إلى التركيز على أهمية العمل التشاركي و المختص. كل نصب وكل فن عام يؤثر على الذائقة الحضرية أو الفنية يجب أن يكون تشاركيّ، أحد أهم الأسباب لإطلاق الجائزة هو مثال خاص بالعراق لكنه مهم جداً، كان لدينا حملة لإعادة إحياء ٢٢ ساحة أو تقاطع مروري في بغداد، تم تسليم كامل العمل إلى مكتب معماري واحد وفنان واحد ومقاول واحد، هذه الحملة كان من الممكن أن تكون فرصة لتشغيل ٢٢ فنان ومكتب معماري و شركات مقاولات أو 22 مسابقة معمارية تحيي قطاع التصميم في العراق، ولكنها لم تنتهز هذه الفرصة، فكانت تجربة سيئة وتعرضت للفساد, الفضاء العام في مدننا أو حتى المدن الأكثر تقدماً في منطقتنا يعاني من مشكلة انحدار الذوق العام، لا يمكننا مقارنة اليوم مع بغداد أو دمشق في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وليس السبب ذائقة السكان بل المشكلة هي في بعض المصممين الذين يعملون دون ضمير أو معرفة وعلم كافيين، فنحن في هذه الجائزة نريد أن نثبت فكرة أن الفن العام هو عمل تشاركي و مختص ويجب أن يتم بهذه الطريقة، نحن دائماً نرى المشكلة وعلى أساسها نطلق مبادرة للكلام والنقاش وعرض الأفكار عنها.هذا هو السبب الأساسي لدخولنا عالم الفن، وربما نقوم بما هو أكثر مستقبلاً، مثلاً نحن نخطط الآن لمعرض الملصقات بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس العراق.
الفنان ضياء العزاوي

من منظوركم الأوسع المطل على العالم العربي بحكم عملكم، ما هي رؤيتكم للواقع المعماري العربي؟

إذا أردنا الكلام عن الدول العربية بشكل عام فأنا أراها متفاوتة، بعض المدن مازالت متماسكة و تحاول الحفاظ على نسقها، ومازالت الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرار متحملة لمسؤولياتها، ويوجد مدن في الواقع هي في حالة سقوط حر، مثل مدينتي بغداد، سقوط حر من كل النواحي، وربما هذا يحدث في أكثر من مدينة ولكن الأسهل أن أتكلم عن مدينتي، على الصعيد الآخر في الأردن مثلاً في عمان والسلط أرى وجود أمل، المشكلة أنه عندما تكثر الأموال يختلف النسق وتختلف طريقة العمل، وتصبح القرارات بيد المطورين و المقاولين، ولكن عندما تكون المسؤولية بيد مصممين بميزانية أقل ومسؤولية أكبر تكون النتيجة أفضل، لذلك أرى أن عمّان مثلاً أو مسقط لم يتعرضوا للانحدار الذي تعرضت له بعض المدن الاخرى، يوجد تفاوت ولا يمكن التعميم، ولكن شخصياً أرى أنه حتى هذا الانحدار والتجارب التي تحدث هي ضرورة وجزء من العملية الإبداعية، مثلا – وقد يختلف معي الكثير من الزملاء في هذا الرأي- في العراق لدينا البيت البغدادي – وهو قريب على البيت الدمشقي – له باحة وحوش في الوسط والمسكن حوله، في منتصف القرن الماضي عندما عاد الطلاب العراقيين من خارج العراق، مثل رفعة الجادرجي وقحطان عوني و قحطان المدفعي و هشام منير، أدخلوا عمارة الحداثة على منازلنا، وفي فترة من الفترات أصبحنا نبني عمارة حداثة، ولكن بعد فترة بدأت تجارب تجمع بين العودة للقديم والعمل مع الجديد، فمن الضروري للوصول إلى مدرسة خاصة أن يكون لدينا تجارب خاصة بنا وليس فقط نقل للتجارب الاخرى، ولذلك حتى أسوء حالات الوضع المعماري هو جزء من العملية الإبداعية والانتاجية، مهما كانت فهي بالنهاية غير باقية، كل هذا التشوه الذي نراه هو غير باق، قد يفقد قيمته أو حاجته الوظيفية ويتغير، لا يوجد ثابت في البيئة المبنية، ولو كانت ثابتة لما كان كل ما وصلنا من العصر العباسي هو ٧ مباني في بغداد.. كله يتغير، فيمكن أن نصف الوضع الحالي في بعض المدن بالمتدني، ولكنه بكل أجزائه جزء من العملية الإبداعية.
والأمر الآخر أنه لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة للمصمم أو المعماري، ثقافة الناس أيضاً مؤثره في طريقة اختيارهم لتصاميم منازلهم، والجهات المسؤولة قد تكون في واد آخر بعيداً عما نفكر فيه.. العملية التصميمية تهمنا كمعماريين، لكن هذا التدني أو السقوط في الواقع المعماري هو أيضاً بسبب الجهات المسؤولة والرقابة وعدم تفعيل قوانين البناء.

هل ترون وجود محاولات نهضوية في عمارة البلدان العربية؟

نعم يوجد العديد من المحاولات، و لو أن المجتمع الأكاديمي في دولنا كما أراه قد يكون بعيداً عن البحث العلمي التطبيقي، أي أننا نفتقر للتعاون بين الجامعات والقطاع الإنتاجي الذي يدعم الأبحاث مالياً، لكن ما رأيته هو وجود المبادرات والكثير من الناس التي تحاول التأثير والنهوض بالعمارة، وأعتقد أن أفضل مكان للاطلاع على هذه المبادرات هي جائزة محمد مكية، وهي جائزة ضمن مؤسستنا لتكريم الشخصية أو المؤسسة أو المبادرة المعمارية المؤثرة في عام محدد، ونرى فيها مبادرات جميلة جداً وتسعدنا، مبادرات مصر مثلاً رائعة وهي قريبة من الإنسان، تضع الإنسان أولاً، تفكر في الأرياف والمناطق الفقيرة، في سوريا يوجد عدة مبادرات مميزة اطلعنا عليها في السنين الماضية، يوجد دوماً مبادرات وهي مبادرات من الشباب دائماً، مثل مجلتكم، شباب يأملون بالتغيير لديهم رسالة، ويسعون لتغيير الواقع السيئ، بالتأكيد يوجد مبادرات وبزيارة لجائزة محمد مكية يمكنكم رؤية ما يقارب الثلاثين مبادرة خلال ثلاث سنوات وكلها مبادرات نحتاجها، بعضها ضروري للحياة المبنية، وبعضها ضروري للذائقة. فهي موجودة ولكنها غير مدعومة وغير مروج لها بشكل صحيح، ولكننا نحاول تسليط الضوء على هذه المبادرات.

القائمة القصيرة لجائزة محمد مكية للعمارة في عام 2020

هل يمكن المفاضلة بين العمل المعماري التصميمي والعمل التنظيري والبحثي؟

يعتمد هذا الأمر على الدول، مثلاً أكثر الدول التي أعرفها، كل سنة تخرج ٥٠٠ طالب ربما، وهذا العدد أكبر من قدرة الجامعات أو السوق المحلية، أرى أن المعماري يجب أن يكون مصمم ممارس ومنظر في نفس الوقت، إذا كان ممارساً فقط فهو أشبه ببناء، وإذا كان منظر أو باحث فهو عديم التأثير، ولذلك يجب أن يكون المعماري كلاهما، ولكن ربما نحن لسنا في وضع من الترف بحيث يسمح لنا الاختيار أصلاً، فتجبرنا الظروف على مختلف الأمور، والمفترض أن الذين يعملون في المجال المهنيّ ممنوعين من التدريس في الجامعات، فالمفاضلة صعبة جداً، اذا أردنا ان نجاوب على هذا السؤال في بريطانيا مثلاً فسيكون جوابي كالآتي: إذا كنت تريد يوم أبسط وحياة مسترخية أكثر وراحة أكبر، فعليك بالحياة الأكاديمية، وإذا كنت تريد مدخول مادي أفضل لكن بضغط أكبر، مثلاً في جامعتي التي أعمل فيها، معظم شعب التصميم فيها معماري ممارس يزور استوديو التصميم يوم في الأسبوع ليشارك الطلبة خبرته المهنية و لا يعتمد الطلبة على الاكاديمي فقط، لكن في دولنا الأمر أصعب و في بعضها ممنوع.

من هم أهم المعماريين والشخصيات المؤثرة في عملكم؟ ولم؟ (أمثلة يحتذى بها في العالم العربي)

تعاملنا مع العديد من المعماريين في الواقع، وتجاربنا بدأت في العراق ومع المعماريين العراقيين أولاً، طبعاً زها حديد و تأثيرها، فهي لها فضل كبير في دعم مؤسستنا في أيامهما الأولى والأصعب و دفعها بالاتجاه الذي اتخذته الجائزة. أيضا المعمار محمد مكية، مكية بالنسبة لي كشخص هو مثال أحتذي به لأنه أحد أهم رجال المؤسسات في العراق، صحيح أنه معمار وله أعمال كبيرة، ولكن دوره المؤسساتي كما أعتقد هو الأهم، مثلا دوره في تأسيس مدرسة العمارة في جامعة بغداد، وتأسيس العديد من مؤسسات المجتمع المدني العراقية المتعلقة بالفن، إنسان مثقف ومطلع إلى أبعد الحدود، وعندما تحول الى لندن أسس ديوان الكوفة، وكان لهم كل يوم أربعاء جلسة ثقافية للمجتمع العربي، وأنا لم أتكلم عن عمارته لأننا بحاجة الى رجال مؤسسات ورجال مجتمع مدني، إلى آخر لحظاته في العراق كان عندما يكون هناك أخطاء أو محاولات هدم مثل محاولة هدم نصب الحرية الذي هو أهم نصب حالياً في بغداد، كان من أوائل الأشخاص الذين وقفوا في وجه هذه الأخطاء ونجح في إيقافها، هذا الشخص الأول الذي أود أن أذكره.
الشخص الثاني هو المعماري رفعة الجادرجي، ربطتني به علاقة لطيفة جداً في السنوات الخمسة الأخيرة من حياته، المهم فيه هو ثقافته واطلاعه واستخدامهما في تطوير الفكر المعماري، رفعة الجادرجي ككاتب ومفكر ربما ليس له مثيل في عالمنا العربي، هو شخص مهم جداً ولا لأتكلم عن أعماله المعمارية أيضاً بل عن الفكر والمساهمات النظرية التي قدمها في ظل افتقارنا للمساهمات النظرية كالتي قدمها هو أو حسن فتحي. وبالطبع حسن فتحي، نحن حالياً في فترة نحتاج فيها أن نعود لإنسانيتنا قليلاً، ومن أفضل الأشخاص الذين يمكن أن يعيدونا لإنسانيتنا في التصميم هو حسن فتحي، وهو الوحيد في هذه اللائحة الذي لم أتعامل معه لكنني متأثر جداً بكتاباته.
راسم بدران، ما أراه يُحتذى به في راسم بدران هو وضوحه في منهجيته، لا يحيد عنها، دائما واضح، تصميمه دائماً مبني على نتائج بحثية وسنوات من الخبرة والعمل، وعمارته التي لا تصنع الطغاة، بل هي عمارة تفهم الأرض التي تبنى عليها.
يوجد أيضاً مجموعة من المعماريين لهم دور في العمارة العمانية هم جعفر طوقان، عمار خماش، بلال حماد وأيمن زعيتر وفاروق يغمور، هؤلاء كان لهم دور رئيسي في تشكيل عمان التي نحب.
في مصر لدينا عبد الحليم ابراهيم ومقاربته الفريدة في التصميم المعماري، أيضاً هو مثال مهم جداً ولكن للأسف هو غير معروف خارج مصر مثل البقية، واتمنى أن يُقرأ الكتاب الذي كتب عنه العام الماضي The architecture of collective memory الذي كتبه جيمس ستيل عن عبد الحليم ابراهيم.
سعاد العامري ونادية حبش من فلسطين، سعاد من أهم المعماريات الفلسطينيات ولها دور مهم جداً في الحفاظ على القرى الفلسطينية، وعمارة نادية القريبة من الإنسان هي عمارة نابعة من روحها الثائرة ضد الاضطهاد.

من الشخصيات التي اراها ايضا مهمة في العراق محمد الأعسم، لاستمراريته في العطاء وهي سمة لا نجدها في العمل المعماري العراقي بسبب الظروف السياسية، وربما هو الأنجح في تأسيس مكتب استشاري معماري، من حيث الرؤية والإدارة، وعندما نذكر أمثلة يحتذى بها لا يقتصر الأمر على التجربة التصميمية، بل يمكن أن يفيدوا البيئة المبنية بأكثر من طريقة، بتصاميم أو إدارة أو رؤية أو كتابات أو تأسيس المؤسسات.
وفي مجال اللاندسكيب أذكر البروفيسورة جالا المخزومي، وهي متخصصة في تصميم اللاندسكيب ومن أهم العاملين في مجال اللاندسكيب والمناطق الخضراء في الشرق الأوسط، وهو أمر بالغ الأهمية في مدننا.

السيد أحمد الملّأك مع المعمار الراحل رفعة الجادرجي

بجانب جائزة تميز، قمتم بإنشاء مجلة معمارية باسم المدينة المدورة، ما هو الهدف الذي تسعون للوصول إليه؟ وأين ترون أنفسكم الآن؟

بعد قراءتي العديد من المصادر الانكليزية عن مواضيع عربية، اكتشفت وجود العديد من المشاكل بترجمة النصوص وعدم دقة المصادر غير العربية عند الكلام عن عمارة عربية، الهدف من مجلة المدينة المدورة ( وهي أساساً باللغة الإنكليزية) هو إيصال المعلومة الدقيقة عن عمارة المنطقة، وليس مجرد معلومة قد يضيع معناها في الترجمة، هذه النقطة الرئيسية، النقطة الثانية تتعلق باللغة أيضاً، معماريونا غير معروفين في عالم ينطق باللغة الانكليزية، عدا زها حديد (وأعتقد أنها غير محسوبة على عمارة المنطقة الناطقة بالعربية فعمارتها عالمية) ربما حسن فتحي هو الوحيد الذي حقق مستوى عالمي حقيقي و من ثم رفعة بدرجة ثانية، يوجد تجارب وصلت للعالمية طبعاً لكنهم غير معروفين في الوسط المعماري الغربي، أحد الأسباب لهذا أننا متمسكون بعربيتنا، وهذا غير خاطئ، ولكن لا يعني أن لا نترجم انجازاتنا إلى لغات أخرى، لأننا إن لم نكتب عن أنفسنا بالإنكليزية لن يعرف بنا العالم، ولن تصل المعلومة بشكل دقيق وصحيح إن كان كاتبها من خارج هذا الوسط، فنحن نريد إيصال معلومة دقيقة وصورة صحيحة عن هذه المنطقة.
حالياً لدينا ما يقارب ٢٠٠ مقال، ونحن نختار المشاركين في الكتابة بدقة ونحرص أن يكونوا باحثين مختصين بالمواضيع التي يكتبونها، هي تجربة لطيفة خاصة أنني دخلت فيها ككاتب وباحث وليس فقط كمؤسس ومدير، ونحرص أن تكون المقالات شاملة ما استطعنا

مجلة المدينة المدورة

ما هي رسالتكم لطلاب العمارة والدارسين في العالم العربي؟

كتميّز، نقول لطلاب العمارة لا تخافوا أو تترددوا، شاركوا بمسابقات كتميز وغيرها، احتكوا بالخارج وتعلموا من الغير، لأنه في مهنتنا المسابقات هي وسيلة مهمة جداً تجعل منكم أفضل وأكثر اطلاعاً، حتى لو لم تفوزوا، الممارسة من خلال المسابقات و الاطلاع على الأعمال الفائزة يطور من الإمكانيات المعمارية والمعرفة ويعرف على طرق تفكير جديدة و مقاربات تصميمية أخرى، المسابقات هي أفضل طريقة للاحتكاك مع العالم الخارجي، وأقصد العالم الذي خارج استديو التصميم والجامعة، وعلى هذا الأساس أنصح بالمشاركة في مسابقات في كل وقت متاح، خاصة إذا كان قراركم أن تمارسوا هذه المهنة مدى الحياة وتكونوا متميزين فيها.
أيضاً أنصح بالقراءة في سنوات الدراسة وبعدها، وهي أهم من الدراسة الجامعية نفسها، فالدراسة تعطينا الأساسيات التصميمية، لكن الاطلاع والقراءة هي ما تجعل من الشخص أفضل وتوسع المدارك وتجعل منا مصممين أفضل وأصحاب وعي بالمشاكل التي تحيط بنا، وتمكننا من تقديم الحلول والاستفادة من الخبرات، ولذلك عادةً في محاضرات تميّز أطلب من كل محاضر أن يقترح ثلاث كتب ليقرأها الطلاب، أي كتاب متاح يجب قراءته، خاصة في مرحلة الدراسة.

هل يمكنك أن ترشّح بعض الكتب لقرائنا؟

بالطبع، واحد منهم هو دور المعمار في حضارة الإنسان، لرفعة الجادرجي
عمارة الفقراء، لحسن فتحي، أو architecture for the people الذي كتبه جيمس ستيل عن حسن فتحي
The monument (النصب التذكارية: الفن و الابتذال في عراق صدام (، لكنعان مكية، وهو كتاب نقدي مهم
Image of the city – Kevin lynch
ولمن يحب أن يكتب عن العمارة، (kicked a building lately?) لـ Ada Louise Huxtable وهي كاتبة في مجلة النيويورك تايمز وكان لها عمود أسبوعي عن العمارة.

معرض الصور:

فريق الإعداد:

إعداد: أحمد صلاح

التدقيق اللغوي:دنيا المير

نشر إلكتروني: محمد ميار الخلف

مقالات قد تعجبك

cropped-9a1bbbb4-2007-4f21-893f-3bc699f9e1d7
مفهوم الفيلا السكنية
3
تأثير ناطحات السحاب على حياة قاطنيها
Screenshot 2024-12-01 035900
اشتقاق صورة المدينة تقنياً
Amale_Andraos
من الشرق الأوسط إلى الغرب، عن الأكاديمية والعمل. لقاء مع د. امال اندراوس
Untitled-12
كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة
01-Villa-Rotonda-Palladio
مراحل تطور بناء الفلل السكنية عبر الزمن
Scroll to Top