أبراج المستقبل

المقتطف:

كجزء من الطبيعة بتشكيله الذي يتناغم مع المناظر الطبيعية، يقف عالياً نحو سماء الهند بطموحه الكبير و ميزانيته المتواضعة متحدياً الحالة الاقتصادية المتدنية، و بحلوله المبتكرة التي تضمن التفاعل بين مختلف الفئات المجتمعية.


كيف استطاع هذا المشروع أن يتفوق على الصورة النمطية لناطحات السحاب؟ وهل كانت حلوله فعالة؟ سنتعرف في هذا المقال على أهم الابتكارات المعمارية التي تميز بها المشروع.

أبراج المستقبل هي جزء من تطوير المناطق السكنية بالقرب من المدن، حيث تساعد هذه المناطق على إيواء المهنيين الشباب الذين ينجذبون إلى المدينة للعمل  في تصنيع السيارات والتكنولوجيا وغيرها. لكن نتيجة للتطور الكبير و السريع في جميع أنحاء الهند، أنشئت العديد من المباني الجديدة في ضواحي بيون بشكل أبراج سكنية عامة ومتكررة لإيواء العديد من السكان.

 يقع مشروع أبراج المستقبل في  مدينة بيون الهندية، حيث قامت بوضع تصميماته شركة MVRDV التي تأسست عام 1993 من قبل Winy Maas و Jacob van Rijs و Nathalie de.

تعمل هذه الشركة على تقديم حلول للقضايا المعمارية والحضرية المعاصرة في جميع مناطق العالم، لتكون  النتيجة عبارة عن مشاريع نموذجية صريحة تمكّن مدننا ومناظرها الطبيعية من التطور نحو مستقبل أفضل. 

يهدف تصميم  أبراج المستقبل إلى تقديم بديل لهذا النمط، مع الحرص على تقديم الشقق بالسعر المنخفض المعتاد، إذ يمكن عكس الاقتصاد السائد عادةً على التصميم السكني. وقد أشارت النتائج إلى أن النظام الذي يضم مزيج متنوع من الشقق المختلفة ضمن مبنى واحد هو أشبه بهيكل جبلي فريد يضم مجموعة من القمم والوديان التي تحوي في قاعدتها على 1068 شقة موحدة في مبنى واحد. وتتنوع هذه الشقق التي تتراوح مساحتها من 45 مترًا مربعًا حتى 450 مترًا مربعًا، الأمر الذي سيجعل منه مكاناً أكثر حيوية مع هذا المزيج من الوحدات المختلفة. 

بهذه الطريقة ، سيضمن المبنى اندماج السكان جميعاً؛ بما في ذلك الشباب المهنيين، و كبار السن، والمقيمين، والأسر الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وعلى الرغم من مظهرها التعبيري، فإن تصميم أبراج المستقبل ينبع في الواقع من سلسلة من القرارات المنهجية القائمة على أبحاث في الإسكان الهندي. 

الوصف المعماري للمشروع:

يتألف مشروع أبراج المستقبل في المخططات الأساسية للموقع من 16 برجٍ منفصلٍ تضم كل منها شقق سكنية متشابهة، و تتوزع على “140000 متر مربع” في مدينة بيون الهندية. و يعتبر هذا المبنى هو الأول من ثلاث مراحل مخطط لها لتكون جزء من مشروع أبراج المستقبل والذي سيوفر في النهاية حوالي 3500 وحدة سكنية. 

 

تتخيل شركة MVRDV هيكلاً مستوحى من تشكيلات المناظر الطبيعية من قمم ووديان وأودية وكهوف وخلجان، لتأتي بتصميم هذه الأبراج التي تحدد بهندستها غير المنتظمة ثلاث كتل متميزة وروابط للمشاة عبر المبنى مع المنتزه المجاور. كما يشجع وجود مجموعة متنوعة من المرافق الداخلية والخارجية والمميزات المكانية غير العادية على تطوير حياة اجتماعية ثرية، وخلق مجتمع متعاون مندمج اجتماعياً

يتميز التصميم بـ 9 أجنحة سكنية تتراوح من 17 إلى 30 طابقًا مرتبة حول 4 مراكز دائرية، كل منها يخدم ثلاثة أجنحة، ويعمل كمفصل يربط الأجزاء المختلفة من المشروع مع الشقق المتوضعة على جانبي الممر المركزي.  يعتمد ترتيب الأبراج على شبكة سداسية توفر مساحة على مستوى الأرض لمجموعة متنوعة من الساحات العامة، و يضم سلسلة من الكتل المتصلة ذات الأسقف المنحدرة، والتي تتفرع لتضم ساحات فناء متعددة الأغراض، بعضها مخصص للعب، وأخرى للرياضة، وحدائق وغيرها الكثير. ترتبط تلك  الساحات ببوابات مثلثة بارتفاع أربع طوابق، مما يخلق مسافة سير بطول 500 متر.

الواجهات الخارجية للمبنى:

تساهم الشرفات الممتدة على الواجهات الرئيسية والمتنوعة الأحجام والألوان في إبراز التنوع في الوحدات السكنية، وذلك من خلال الفتحات الكبيرة ذات الألوان الزاهية المعروفة باسم “المجارف” التي تثقب واجهة المبنى لتتصل مع الممرات المركزية والتي توفر مساحات اجتماعية عامة وتهوية متقاطعة في جميع المساحات المشتركة في هذه العملية. 

وتحتوي الواجهات الرئيسية أيضاً على شرفات غائرة متنوعة الأحجام، كما وتساعد الفتحات الكبيرة ذات الألوان الزاهية التي تخترق الشرفات الأصغر على تحديد المناطق المختلفة داخل المبنى. –

كما يتفاعل البرج أيضاً مع الطبيعة من خلال الشرفات المنحنية  ذات التصميم العضوي و التي تظهر بطبقات مختلفة و على ارتفاعات متفاوتة بشكل جميل و مثالي.

أما عن التصميم الداخلي، فقد قام المصممون بنقل انسيابية البرج الخارجية إلى الداخل، و تصميم الفراغات بطريقة مفتوحة وانسيابية تسهل الانتقال بينها، بحيث تتمتع جميعها بالإطلالة الجميلة بفضل الشرفات المحيطة بكل دور .

الأجزاء الداخلية للمشروع:

أنشأت MVRDV نظامًا مرنًا يسمح للمطور بتغيير حجم الوحدات المعروضة للبيع حسب السوق و الطلب. يمكن أن يشتمل كل طابق على مزيج من الاستوديوهات والشقق المكونة من غرفة نوم واحدة وغرفتين وثلاث وأربع غرف نوم، مع وجود أكبرها عادة في نهاية كل جناح حيث توجد شرفات كبيرة على الجانب المنحدر من المبنى. كل وحدة لها مساحة خارجية (إما شرفة أو تراس) كما هو معتاد في الهند، بينما تطل الحمامات والمطابخ على مناور. 

بما أن المشروع يركز على تنوع الشقق وترتيبها، لم يعتمد التصميم على فصل الشقق بحيث تكون جميع أنواع الغرف ذات غرفة النوم الواحدة في جزء واحد من المبنى، وجميع الغرف المكونة من غرفتي نوم في جزء آخر، بل اعتمد على المزج بين هذه الشقق المختلفة، بحيث يمكن للعائلات التي لديها أطفال، والأزواج الشباب، وكبار السن والشباب الذين يعيشون بمفردهم على حد سواء أن يكونوا جيرانًا، فمن أهم مميزات هذا التنوع أنه يجعل المجتمعات فعالة فيما بينها.

تم تقطيع الفراغات شبه المنحرفة حيث تتصل الأجنحة بالنوى، مما يسمح للسكان (و شاحنات الإطفاء) بالانتقال من الأفنية المواجهة للشارع إلى المنطقة الخضراء المركزية. التي تم رسمها بألوان نابضة بالحياة مثل الفيروزي والمانجو، وهي بمثابة أماكن كبيرة مظللة للتجمع عند هطول الأمطار أو عندما تكون الشمس قوية جدًا.

نظرًا لأن عمالة البناء رخيصة في حين أن المصاعد باهظة الثمن نسبيًا في الهند، يمكن توفير الكثير من التكاليف عن طريق تقليل عدد نوى السلالم واستخدام ممرات أطول بدلاً من ذلك. لذا أصبحت أبراج المستقبل عبارة عن مبنى واحد بعدد منخفض من المصاعد مما ساعد على تخفيض التكاليف. كما تُعد هذه الممرات الطويلة شرطًا ضروريًا للوفاء بقوانين السلامة من الحرائق، بالإضافة إلى توظيفها بشكل نافع للسكان، بحيث تشكل  أماكن تجمع للمقيمين في الشقق القريبة. 

ولكن في مثل هذا المجمع الكبير ، قد يكون التنقل بين النوى المختلفة والممرات الطويلة أمرًا صعبًا للزوار. لكن المهندسين المعماريين وضعوا المجارف ببراعة على طول الممرات لجلب ضوء النهار وتفكيك المسافات. حيث تساعد المجارف والساحات أيضًا في إنشاء سلسلة من الأحياء وتوفير نطاق أكثر حميمية للمشروع. 

نظام التهوية:

يقوم المعماريون عادةً في الدول ذات المناخات الحارة  بتوسيع المحيط لزيادة التهوية الطبيعية. كما تسمح “القمم” بتوفير قدر أفضل من ضوء النهار. إذ يساعد نظام التهوية الطبيعية البسيط والفعال، فاستو شاسترا، الذي يبرد الشقق (ويساعد في استخراج الهواء من المطابخ ) على جعل وحدات تكييف الهواء الشخصية اختيارية للمقيمين.

 تتضمن مخططات الطوابق أيضًا مبادئ (النظام التقليدي للهندسة المعمارية) والذي  يعد إحدى التطورات الجديدة المتوقعة في الهند.

ترتفع المباني في المدن المكتظة بالسكان في الهند بشكل مخيف دون أن تتنفس. و من المؤكد أن مشروع أبراج المستقبل يكسرالصورة الذهنية العامة لرمز ناطحة السحاب في الهند.  

كما يشجع على فكرة تطوير المجتمع بتوفير الراحة للمستخدمين وجلب نسيم منعش من الابتكار إلى مساحة مقيدة بخلاف ذلك لتطوير العقارات. إنه مبنى يتفهم متطلبات الإسكان الهندي وتوقعات الثقافة الهندية، ويستخدم سياق بلدة جديدة تمامًا لإعادة تصور كيف يمكن دمجها بطريقة أفضل لكل من السكان والمدن بشكل عام. يمثل هذا المشروع درسًا ضخمًا للعقارات الهندية بوصفه ابتكار خارج الصندوق.

منح التصميم الخارجي المتدرج للبرج ميزة العزل بشكل جزئي لأشعة الشمس مما يخفف من حدة أشعة الشمس المباشرة و يجعلها ألطف، و بالتالي لا يوجد حاجة لتركيب كاسرات شمسية على الشرفات.

بالنسبة إلى نظام تبريد الشقق، تقوم  وحدات سحب الهواء الموجودة على السطح، من خلال مبادل حراري، بسحب الحرارة ومد الفراغات بالهواء البارد. 

بالإضافة إلى تصميم فتحات تهوية مبتكرة عازلة للصوت في فراغات النوم، هذه الفتحات تجعل التهوية الطبيعية ممكنة دون الانزعاج من ضجيج الخارج.

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد :

إعداد: رانيا كريز

التنسيق: م. علا برغلة

التدقيق العلمي: م.محمد بكداش

التدقيق اللغوي: م. حنان حداد

نشر إلكتروني: محمد أنس رستم آغا

مقالات قد تعجبك

01-Villa-Rotonda-Palladio
مراحل تطور بناء الفلل السكنية عبر الزمن
مقابلة مع المعماري المتخصص في العمارة الداخلية ريشار ياسمين
4
ورشة دمشق 2024
مقابلة مع أعضاء من الفريق الفائز بمسابقة اليونسكو لإعادة تأهيل مجمع النوري في الموصل، العراق
ثبثصبصثقبصثق32ق32ق
تاريخ الأبراج السكنية وتحدياتها
صورة 1
حوار مع المهندسة رضوى رستم
Scroll to Top