من الإطارات إلى المنازل: Lifehaus نموذج العمارة المستدامة في لبنان

المقتطف:

تخيل… أن يكون بيتك القادم مبني من دواليب سيارات قديمة!
من أزمة نفايات إلى ابتكار معماري! Lifehaus… أول منزل لبناني مبني من مواد معاد تدويرها ويسعى للاكتفاء الذاتي!
حيث تحولت الإطارات المحروقة في لبنان 2015 من مشكلة مستعصية إلى حل مستدام بفضل المهندس نزار حداد.

من الإطارات إلى المنازل: Lifehaus نموذج العمارة المستدامة في لبنان

عندما بلغت أزمة النفايات ذروتها في لبنان عام 2015 كان لظاهرة الإطارات المحروقة دور كبير في مطالبة الحكومة باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتغيير مفهوم البناء نحو العمارة المستدامة، حيث قاد المهندس نزار حداد هذا التغيير عبر إعادة استخدام الإطارات بدلاً من الاعتراض والمطالبة فقط بالتغيير!
نعم الدواليب من النفايات إلى لبنة أساسية لبناء منزل سكني .. حيث تم توظيفها كعنصر إنشائي أساسي .. كيف ذلك ؟؟ هل هو حقيقة أم ضرب من الخيال ؟؟
في هذا المقال سنقدم مثالاً حياً لمبنى يسعى للاكتفاء الذاتي عن طريق استخدام مواد محلية معاد تدويرها بالاعتماد على تقنيات أجدادنا القدماء في البناء، ودمجها مع تقنيات العمارة المستدامة الحديثة.

نبذة عامة عن المشروع:


منزل (Lifehaus) من تصميم المهندس اللبناني نزار حداد في قرية بسكنتا في لبنان بمساحة (200 م2) عام 2017. حيث بُني ليكون أول مشروع سكني في الشرق الأوسط مصمم لتقليل البصمة الكربونية . وبالعودة لاختيار الاسم من قبل المهندس نزار فإن للاسم معانٍ كثيرة:
فكلمة “هاوس” يقصد بها العودة إلى عصر “الباوهاوس” نهضة الهندسة الحديثة التي بدأت في الثلاثينات في ألمانيا حيث يرى نزار ضرورة تبني نفس النهج، النهضة الجديدة باتجاه بيئي وصحي.
وكلمة “لايف” كناية عن (لايف بوت) قارب النجاة الذي يلجأ له الناس عندما تغرق السفينة لينقذوا حياتهم. وهنا يوضح نزار “يلعب منزل لايف هاوس نفس دور قارب النجاة، ولكن على البر، حيث أن هذا النوع من البيوت من المفترض أن ينجو بنا من أسلوب الحياة والسكن الذي نغرق فيها حالياً”.

مواد البناء المستخدمة في مشروع Lifehaus :

تم بناء المنزل تبعاً لموقعه الجغرافي الغني بالمواد المحلية التي يمكن إعادة تدويرها، مع مواد طبيعية قدر الإمكان وهي:
1- الطين والحجر الجيري والقنب وقصب السكر المعمر والقش.
2- إطارات مستعملة، وعبوات زجاجية.
3- استخدام الإسمنت البورتلاندي بشكل أساسي في حال عدم توفر القصب أو الخيزران أو الخشب المعتمد محلياً لحمل الأسقف.
4- قضبان فولاذية للخرسانة بكميات قليلة.
5- الخشب.

طريقة بناء منزل Lifehaus:

1- تحديد مواقع أساسات البناء (المنزل) المغمور في الأرض والجبل .
2- تمرير أنابيب التهوية الخاصة بالمبنى.
3- إحاطة المنزل من الخارج بصف أولي من أكياس التراب، بالإضافة إلى عزل أرضية المبنى بالكامل بوضع وسادة تجعل التربة تحت المنزل معزولة وجافة عن الخارج.
4- بناء جدران الغرف السكنية والتقنية باستخدام إطارات مملوءة بالتراب، ومن ثم ملء الفراغ بين الإطارات بالطينة، ومن ثم عزل الجدران بمواد مضادة للرطوبة.
5- تركيب أساسات لمصافي الصرف الصحي.

صورة توضح كيفية إنشاء الجدار باستخدام الإطارات وملئ الفراغات بينها.

6- ردم الجدران بالكامل بالتربة حتى مستوى سطح الأرض، وإنشاء أرضية المنزل باستخدام الطين المدكوك والحجر الصلب والخشب.

صورة توضيحية للمواد المستخدمة في الأرضيات.

7- تشكيل هيكل التراس من خلال إعادة استخدام أعمدة الهواتف الخشبية والألواح الخشبية (الطبيات) لتغطيتها .

صورة توضح كيفية إنشاء السقف.

9- بناء الحائط الخارجي باستخدام أكياس التراب المعزولة بأكياس من نشارة الخشب ومن ثم توريقها بالتراب والكلس.
10- استخدام القصب والطين لتغطية سطح الطابق الأرضي الذي يتوازى مع الجبل الموجود ضمنه، وبذلك يتم تغطية سقف البيت والتراس بتربة خصبة صالحة للزراعة، والتي يوجد ضمنها أنابيب مياه لتصريف مياه الأمطار والاستفادة منها .

صورة توضح كيفية تغطية السقف بالطين.
مخطط الطابق الأرضي

كيف يعمل منزل Lifehaus بأسلوب الإكتفاء الذاتي والعمارة المستدامة؟

أولاً: النظام المائي:

يتم تجميع مياه الأمطار من السطح ضمن خزان مياه، ثم يتم ترشيحها واستخدامها في الاستحمام، ثم يعاد ترشيحها مرة أخرى عبر سقاية النباتات المزروعة (الصالحة للأكل)، ثم تشقُ المياه المتبقية الرمادية طريقها إلى المرحاض حيث تصبح مياه سوداء، والتي تذهب بدورها إلى خزان الصرف الصحي حيث تتم معالجتها من جديد عبر فصل المواد الصلبة عن السائلة للاستفادة مجدداً من المياه السائلة في ري الحديقة الخارجية.

ثانياً: الحفاظ على الطاقة:

تم تركيب ألواح شمسية حرارية و كهروضوئية، إلى جانب توربينات رياح صغيرة الحجم وتوربينات مائية وُضعت في مجرى مائي مجاور للمنزل، وذلك لتوليد الطاقة من مصادر متجددة ومستدامة.
كما تم اعتماد نظام مدفون تحت الأرض مقاوم للزلازل لتخزين الطاقة الحرارية الموسمية. حيث يُسهم هذا النظام في تبريد المنزل صيفاً وتدفئته شتاءً بشكل سلبي، أي دون الحاجة إلى أجهزة صناعية، مما يقلل من استهلاك الطاقة ويحافظ على البيئة.
و لتوفير عزل حراري فعّال، تم تغليف المبنى والتربة المحيطة به بـ”مظلة” خاصة، تحميه من الرطوبة، وتعزز عملية التخزين الحراري الموسمي داخل التربة. ينتقل هذا التخزين الحراري بشكل طبيعي إلى المساحات الداخلية، مما يساهم في ضبط حرارة المنزل بشكل مستدام طوال العام.
وتتكون مواد العزل المستخدمة في هذه “المظلة” من رقائق ونشارة الخشب المعالجة بطرق طبيعية، مما يجعلها صديقة للبيئة وفعّالة في حفظ الطاقة.

مقارنة بين فقدان الحرارة في الشتاء بين المنزل المعزول بشكل فعال، ومنزل يستخدم التخزين الحراري السنوي السلبي.

ثالثاً: نظام التهوية :

الموجود عبر الأنابيب الأرضية والذي يضمن تهوية طبيعية مع تقليل فرصة ضياع الحرارة وبذلك يضمن درجة حرارة ثابتة ومريحة طول فصول السنة دون اللجوء إلى تقنيات التدفئة الصناعية.

آلية التهوية والتبريد الطبيعي النهاري في الصيف:
1.تدخل أشعة الشمس إلى البيت الزجاجي (البيت الأخضر)، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة فيه.
2.يخرج الهواء الساخن من الفتحة العلوية، فيسحب معه هواءً نقيًا من الفتحة السفلية. و هذا يخلق ستارة من الهواء البارد تحمي مساحة المعيشة من الحرارة الخارجية.
3.تسمح أنابيب التهوية تحت الأرض بتهوية طبيعية فعالة جدًا، حيث تنتقل حرارة الهواء إلى التربة، مما يجعل المنزل “يتنفس”.
4.ويُبرد الهواء الساخن القادم من الخارج عند مروره بجانب أنابيب التهوية الأخرى، بفضل التبادل الحراري بينها.
5.تعمل التربة التي تحيط بالمنزل كعازل. فهي تمنع الحرارة من الدخول، وتساعد في تبريد الجدران الداخلية، والتي بدورها تبرد هواء الغرف.
6.توفر الأشجار المثمرة ذات الأوراق الكثيفة ظلًا يحمي المنزل من أشعة الشمس المباشرة.
تُستخدم ستائر عازلة على الجدران الكبيرة المعرضة لأشعة الشمس من الجنوب لتوفير حماية إضافية.

صورة توضيحية لآلية عمل التدفئة والتهوية نهارً في فصل الصيف.

نظام التهوية والتبريد الليلي للمنزل في الصيف:

1.عند فتح البيت الزجاجي ومساحة المعيشة ليلًا، يخرج الهواء الساخن من الأعلى، ويجذب نسيم الليل البارد إلى الداخل.
2.توفر الأنابيب الموجودة تحت الأرض تهوية طبيعية فعّالة جدًا، وتسمح في نفس الوقت بانتقال حرارة الهواء إلى التربة، مما يجعل المنزل وكأنه “يتنفس”.
3.التبادل الحراري بين الأنابيب يساعد على تنظيم درجة حرارة الهواء الداخل.
4.يبرد الهواء الساخن القادم من الخارج عندما يمر بجانب الهواء البارد، مما يساعد على تثبيت درجة حرارة الهواء الداخل (حوالي ±22 درجة مئوية).
5.تمنع التربة المحيطة بالمنزل، والتي تم عزلها جيدًا من الخارج، من دخول الحرارة إلى الداخل. كما أنها تبرّد الجدران الداخلية، والتي بدورها تبرد الهواء الموجود داخل المنزل.
6.تُستخدم ستائر عازلة على الجدران الجنوبية الكبيرة لحماية إضافية من الحرارة.

صورة توضيحية لآلية عمل التدفئة والتهوية ليلاً في فصل الصيف.

نظام التهوية والتدفئة الطبيعي في النهار شتاءً:

1.في الشتاء، تمر أشعة الشمس بين الأشجار متساقطة الأوراق وتصل إلى داخل المنزل، فتمدّه بالحرارة.
يسخن البيت الزجاجي، ويخرج الهواء البارد داخل المنزل من الفتحة السفلية، فيسحب الهواء الساخن إلى الأعلى.
هذا التدفّق في الهواء يعمل كنظام تدفئة طبيعي بدون أجهزة.
2.تمتص الجدران السوداء السميكة (المتجهة للجنوب) حرارة الشمس خلال النهار وتُطلقها ليلًا لتدفئة المساحة.
تسمح الأنابيب الأرضية بتهوية طبيعية وتُساعد على تهيئة التربة للصيف، ما يجعل المنزل “يتنفس”.
3.يمر الهواء الداخل من الخارج بأنابيب تهوية تمر بجانب بعضها، مما يساعد على تسخينه بالتبادل الحراري، حتى تصل حرارته إلى حوالي ±22 درجة مئوية.
4.تمنع التربة المحيطة بالمنزل، التي اكتسبت حرارة في الصيف، من دخول البرودة من الخارج، وتُسخّن الجدران الداخلية، والتي بدورها تُسخّن الهواء داخل المنزل.

صورة توضيحية لآلية عمل التدفئة والتهوية شتاءً في النهار.

نظام التهوية والتدفئة الطبيعي في الليل شتاءً :

1.يتم تغطية نافذة غرفة المعيشة بستارة عازلة أثناء الليل لمنع دخول البرد إلى داخل المنزل.
2.تخزن الجدران السميكة التي تتعرض للشمس طوال النهار الحرارة وتقوم بإطلاقها داخل المنزل ليلاً لتدفئته.
3.تسمح أنابيب التهوية الموجودة تحت الأرض بمرور الهواء بشكل طبيعي، حيث يدخل الهواء من الخارج ويبرد تدريجياً أثناء مروره في التربة، مما يساعد على إبقاء المنزل بارداً في الصيف ودافئاً في الشتاء. بهذه الطريقة يتنفس المنزل بشكل طبيعي.
عند مرور الهواء البارد في الأنابيب، يحدث تبادل حراري بين الأنابيب المتجاورة، مما يساعد على تدفئة الهواء البارد قبل دخوله للمنزل ويبرد الهواء الساخن الخارج، بفضل انتقال الحرارة من الأنابيب الدافئة للباردة.
4.تعمل التربة المحيطة بالمنزل كعازل طبيعي. في الصيف، تسخن التربة وتخزن الحرارة، وفي الشتاء تمنع دخول البرد وتحافظ على دفء الجدران الداخلية للمنزل، مما يساعد في تدفئة الهواء داخل المنزل.

صورة توضيحية لآلية عمل التدفئة والتهوية شتاءً في الليل.

وهنا نجد أن مشروع Lifehaus لا يعد فقط منزلاً سكنياً، بل هو مثالٌ حي على كيف يمكن للابتكار البيئي أن يغير الطريقة التي نعيش بها. من خلال استخدام مواد معاد تدويرها، مثل الإطارات القديمة، ودمج تقنيات البناء التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة، يقدم هذا المنزل نموذجاً مميزاً للمستقبل: سكن مستدام، فعال بيئياً، ويحترم التوازن الطبيعي.
من نظام التهوية الطبيعي إلى جمع مياه الأمطار واستخدام الطاقة المتجددة، يعكس Lifehaus مستقبلاً حيث يمكننا العيش بشكل متوازن مع البيئة من دون التضحية بالراحة أو الاستدامة. هذا المشروع يشجعنا على إعادة التفكير في كيفية بناء مجتمعاتنا المستقبلية، وكيفية استخدام مواردنا بشكل أفضل، ليكون بمثابة نقطة انطلاق لحلول العمارة المستدامة في جميع أنحاء العالم.

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد:

إعداد: جمانه محمد القجه
نشر إلكتروني: المنتصر بالله بياعة

التدقيق العلمي: م. ليلى عمر عدرا
التدقيق اللغوي:م. ليلى عمر عدرا

مقالات قد تعجبك

22222
تاريخ التجمعات السكنية
Untitled-12
كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة
image
برج الرياح في الوفرة (الكويت)
Rehabilitation of Tarsus Old Ginnery
إعادة تأهيل مركز آثار "طرسوس" القديم في تركيا
الشرفات الخارجية للبرج
التعريف بالأبراج السكنية
image
مطار بانيووانجي الدولي
Scroll to Top