مقابلة مع المهندس باسم البرغوثي

هذه المقابلة من العدد 109، اضغط هنا لرؤية العدد.

المعمار الفلسطيني السوري باسم برغوثي، تخرج من كلية العمارة في جامعة دمشق عام 1984، وأتم دراسة الماجستير في كلية العمارة في جامعة إلينوي /Illinois/ في الولايات المتحدة الأمريكية.

عمل في العديد من الشركات و المكاتب الهندسية العربية و الأجنبية مثل (شركة المعماري ايفانز و لن، و شركة ديفكون الفنلندية Devicon، وشركة تراكتبل الخليج Tractebel Al Khaleej). ثم عاد الى دمشق ليؤسس فيها مكتبه الهندسي الخاص عام 1994.

عمل م. باسم، من خلال ممارساته المعمارية، على إنتاج عمارة محلية معاصرة، إلى جانب قيامه بتدريس التصميم المعماري في جامعة دمشق و عدة جامعات خاصة على فترات متعددة من حياته.

حاز على الجائزة الأولى في مسابقة تصميم مبنى وزارة الخارجية في دمشق عام 1998، حيث تم ترشيح المبنى في حينها لجائزة الآغا خان. كما حاز على الجائزة الأولى في مسابقة نادي المهندسين فرع ريف دمشق عام 1996، بالإضافة إلى حصوله على المرتبة الأولى في عدة مسابقات محلية وعالمية.

بداية هل يمكن أن تتحدث لنا عن بداية مسيرتك المهنية والأكاديمية ؟

أكاديمياً، تخرجت من كلية العمارة بجامعة دمشق وكنت ضمن العشرة الأوائل على دفعتي، مما أتاح لي مراسلة عدة جامعات في أمريكا لدراسة الماجستير، وقُبِلت في جامعة إلينوي Illinois التي كانت تعد من أفضل الجامعات في الولايات المتحدة. وقد احتضنت كلية العمارة فيها رواداً من المعماريين أمثال هيلموت يان Helmut Yan، جيمس غيتش، تشارلز مور Charles Moore وغيرهم.

في تلك الفترة، كان مشروع الفصل الأول للدراسات العليا في قسم التصميم المعماري موحداً بين جميع جامعات أمريكا، وهو عبارة عن مسابقة لإتمام مبنى قام بتصميمه المعماري تشارلز مور.
بعد تقديمي للمشروع فزت بالمركز الأول، لكن صعوبات المعيشة هناك جعلتني أقدم طلباً بالانسحاب والعودة إلى سوريا، حينها فوجئت بقبول نهائي في الجامعة وحصلت على منحة مالية لإتمام دراستي.

منظور لمبنى المعهد المطبخي في نيو أورلينز تتمة مشروع تشارلز مور - عن المعمار.
مقطع و ماكيت مبنى نيو أورلينز - عن المعمار

أما مهنياً، بدأت مسيرتي عام 1979 أثناء دراستي الجامعية الأولى مع الدكتور مأمون الفحام، وعملت بمكتبه أربع سنوات تعلمت فيها إنجاز الاضبارة التنفيذية بكافة تفاصيلها، كما اكتسبت الخبرة بسبب مقاييس مشاريعه الكبيرة كالمستشفيات والفنادق والمراكز الثقافية. أثناء هذه الفترة عملت مع المعماري يوسف عبدلكي و قد تعلمت منه أساليب تقديم المسابقات المعمارية بسبب مشاركته بشكل دائم ومنها مسابقة مسجد الشيخ زايد. عملت بعدها مع المهندس لؤي رجب وكانت فرصتي كبيرة لتعلم أساليب التنسيق بين الاختصاصات..

في تلك الفترة، كان مشروع الفصل الأول للدراسات العليا في قسم التصميم المعماري موحداً بين جميع جامعات أمريكا، وهو عبارة عن مسابقة لإتمام مبنى قام بتصميمه المعماري تشارلز مور.
بعد تقديمي للمشروع فزت بالمركز الأول، لكن صعوبات المعيشة هناك جعلتني أقدم طلباً بالانسحاب والعودة إلى سوريا، حينها فوجئت بقبول نهائي في الجامعة وحصلت على منحة مالية لإتمام دراستي.

ذكرت سابقاً أن اهتمامك بالفن كان من المسببات في بداية مسيرتك في العمارة، برأيك كيف تؤثر العلاقة بين الفن والعمارة على فكر ونتاج المعمار؟

لا شك أن علاقة العمارة بالفن علاقة وثيقة، فالعمارة هي فن نحت الكتلة واللعب بالفراغ وتخيل التكوين وإسقاطه من فكرة إلى مخططات هندسية إلى منتج نهائي.

في تلك الفترة، كان مشروع الفصل الأول للدراسات العليا في قسم التصميم المعماري موحداً بين جميع جامعات أمريكا، وهو عبارة عن مسابقة لإتمام مبنى قام بتصميمه المعماري تشارلز مور.
بعد تقديمي للمشروع فزت بالمركز الأول، لكن صعوبات المعيشة هناك جعلتني أقدم طلباً بالانسحاب والعودة إلى سوريا، حينها فوجئت بقبول نهائي في الجامعة وحصلت على منحة مالية لإتمام دراستي.

تعددت محطاتك منذ بداية مسيرتك، كيف كان تأثيرها على تطور ممارستك المعمارية الفكرية والعملية؟

عندما كنت طالباً كنت متأثراً بالمعماريين العرب مثل راسم بدران، رفعت الجادرجي، عبد الواحد الوكيل، محمد مكية، عمل جميعهم على تطوير العمارة العربية المحلية ونجحوا بذلك وكنت معجباً بهم للغاية، وكنت أطمح لفعل الشيء ذاته في سوريا. أما الولايات المتحدة فهي بلد حديث نسبياً بكل ما فيها، تعلمت العمارة الحديثة هناك وعند عودتي بدأت محاولة التوفيق بين الاثنين.

صورة للوحات في مكتب المعمار في دمشق

تحدث لنا عن أهم نقاط العلام في مسيرتكم والأعمال التي قمت بتصميمها .

أبرز نقاط العلام في مسيرتي هو مبنى وزارة الخارجية بلا شك، حيث أن حصولي على المركز الأول في المسابقة حينها أثار جدلاً في الوسط المعماري بين مؤيدٍ للحداثة المطلقة وبين مؤيدٍ لتطوير الهوية.

استمدت هوية عمارة مبنى وزارة الخارجية الكثير من العمارة المحلية. حيث أن الجدران المائلة تعبر عن ثبات القلاع وهو ما يعطي انطباع القوة والرسوخ للمبنى بصفته مبنى حكومياً. أما الفراغات الداخلية فقد قمت بتطوير واستعارة بعض عناصر العمارة الدمشقية كالمشربيات والأفنية والأبلق والقبوات والأقواس، وكذلك الأرضية فهي نموذج مطور عن الأرضية الموجودة بقصر العظم. تم استخدام مواد طبيعية في الإكساء على طلب الوزارة مثل الحجر الرحيباني، وكانت كل هذه المحاولات تصب بهدف جعل المبنى يبدو حديثاً وواضح المعالم ومرتبطاً بمكانه حيث أنه لا يمكن أن يكون بمكان آخر غير دمشق. أما نادي المهندسين في ريف دمشق اعتمدت بتصميمه استخدام الأقواس والمفردات التي تعبر عن المشروع ومكانه حيث ليس من المنطقي استخدام عناصر مصمتة أو ستائر زجاجية في هذا المكان.

تم ترشيح المبنيين لجائزة الآغا خان، لكن فاتتني الفرصة للأسف بسبب عدم القدرة على مشاركة تفاصيل مبنى وزارة الخارجية، أما عدم استكمال إجراءات ترشيح نادي المهندسين للجائزة كان بسبب قيام القائمين على تنفيذ المشروع بإضافة بعض العناصر التي أساءت للتصميم 

صورة للفراغ الداخلي
صورة لإكساء الأرض المذكور
صور لمبنى وزارة الخارجية في دمشق - عن المعمار
صور لمبنى وزارة الخارجية في دمشق - عن المعمار
صور لمبنى نادي المهندسين في ريف دمشق صورة خارجية
موقع عام للمشروع من رسم المعمار
مناظير من رسم المعمار

خلال مسيرتي قمت بتصميم العديد من المشاريع الثقافية والسياحية والسكنية، والجدير بالذكر أن مكتبنا قام بتكليفٍ من الشركة العامة للدراسات بالتصميم المعماري لعدة مشاريع أهمها: مباني كلية الآداب ومباني السكن الطلابي في جامعة حماة، تصميم عدة مدارس نموذجية سيتم تنفيذها في محافظات القطر، كذلك مبنى السفارة السورية في مصر، وقد قامت الشركة بإعداد الأضابير التنفيذية لكافة الاختصاصات لهذه المشاريع. بالإضافة إلى مشاركتي في تصميم أبراج سكنية في ماروتا ومنتجعات وفنادق.

صورة لتصميم السفارة السورية في مصر
منتجع طلة البحر

برأيك ماهي أبرز التحديات التي تواجه مدينة دمشق على الصعيد العمراني والمعماري؟

عمرانياً، أجد ثغرة في عدم وجود أي مشروع نموذجي متكامل يعبر عن مدينة دمشق أو عن فكر معماري حريص على الحفاظ على المدينة وتطويرها عمرانياً. إضافة الى إهمال الأحياء التاريخية ذات الطابع والعناصر والتكوينات المعمارية الفريدة، غياب الرقابة، قوانين البناء، عدم تنظيم العمل المعماري على كافة الأصعدة والاختصاصات.

بالنظر الى أحياء دمشق التاريخية فنرى أنه على الرغم من جمال تكوينها وعناصرها المعمارية، نلحظ عليها ملامح التقدم بالسن بطريقة مؤذية. لا يوجد اهتمام واضح بها كونها تشكل قيمة ثمينة لمدينة دمشق، وبمقارنتها على الصعيد المحلي، مثلاً كان الاهتمام بادٍ على الأحياء القديمة والأسواق في حلب قبل الحرب في سوريا. أما على نطاق أوسع، فالمشي بمدينة طليطلة مثلاً يعطي ذات الإحساس عند المشي بدمشق القديمة، غير أنها تبدو وكأنما بنيت للتو بسبب الاهتمام بها، إضافة لوجود مسابقات سنوية فيها تشجع على الحفاظ والعناية بها، كمسابقة أفضل عمل ترميم أو زراعة في المنازل.

على صعيد العمارة فأجد ركوداً عمرانياً وانتشاراً للفكر التجاري والاستثماري وسعيه وراء الكماليات والجماليات وإهمال الوظيفة، إضافة إلى عدم وجود شركات اختصاصية وغياب الدقة في التنفيذ، والإمكانيات والموارد المتدنية

صورة لأحد أزقة مدينة طليطلة
صورة جوية لمدينة طليطلة – اسبانيا

نشهد الآن تزايد في ظهور المدن البرجية، هل ترى أن الأبراج السكنية تشكل استجابة ملائمة للبيئة والمجتمع؟

من حيث المبدأ، أرى أن الإنسان أقرب بطبيعته إلى الأرض والتراب من السماء. وعند النظر إلى أحياء دمشق القديمة والأحياء التي ظهرت بعد المخطط التنظيمي الذي وضعه إيكوشار -حي أبو رمانة مثلاً وحي عين الكرش- نجد أن نسيجها العمراني لا يتعدى الأربعة طوابق وهي أقرب لبنية وطابع مدينة دمشق والمقياس الإنساني ومتطلباته.

منذ تخرجك وبداية مسيرتك عام 1984، مغادرتك سورية وعودتك في 1989، وحتى الوقت الحالي، برأيك ما هي أهم التحولات على مر السنين في نمط التفكير المعماري في سوريا؟

عند تقديمي لمسابقة وزارة الخارجية 1996، ظهر تياران حينها، الأول كان تياراً توجه لتغيير العمارة الموجودة وكان يجد أن العمارة في سوريا عليها مواكبة تطور العالم معمارياً، وتيار آخر محافظ على التراث ويرى أن لكل بلد عمارة خاصة بسياقها وذلك لا يمنع من تطويرها.

الآن يتوجه بعض المهندسين الشباب إلى طرح مشاريع معقدة التنفيذ غير واعيين بعقبات تنفيذ مثل هذه المشاريع ضمن الإمكانيات المتاحة في بلدنا، حيث أن بعض أساليب البناء قد تزيد تكاليف المشروع إلى 20 و30 ضعفاً وهذا غير مقبول بالنسبة للموارد والوضع الحالي.

وبالمقارنة على نطاق أوسع، أرى أن جميع البلدان العربية تعتز بعمارتها المحلية مثل تونس والمغرب أو مثل إعجاز الأبراج الطينية في اليمن (عدن) والألوان المميزة في تونس كالأبيض والأزرق وعدد الطوابق المنخفض. أما عالمياً، في باريس على سبيل المثال، يمنع البناء بغير النمط المحلي في المدينة القديمة أو الارتفاع أعلى من برج ايفل.

شارع بغداد عام ١٩٥٣م – أرشيف الأستاذ نبهان زاده
أقدم صورة لحديقة المدفع 1948 - الباحث عماد الأرمشي

لقد عملتم لمدة تزيد عن 40 عاما في المجال المعماري، هل يمكن أن تحدثنا عن الفروقات والتحديات بالممارسة المعمارية في الدول التي عملت بها وفي سوريا؟

عند عملي في أمريكا، كان العمل دائماً يعتمد على الجماعة، بالإضافة إلى توافر الدعم الخارجي. كنا في المكاتب الهندسية على صلة دائمة بالتقنيين، وعند الحاجة لأية تفاصيل تقنية كان بإمكاننا الاتصال بالشركات المصنعة أو الخبراء، حيث كانوا يقومون بإلقاء المحاضرات علينا وتقديم العينات وآليات التركيب فيما يخص الإكساء والعزل والإضاءة والتفاصيل الميكانيكية وما إلى ذلك. هذه المعلومات بالإضافة لفائدتها في المشروع فهي تسهم في تطور المعماري ذاته، وتبقى وظيفة المعماري التصميم والتنسيق بين هذه التفاصيل دون التعدي على عمل غيره.

بعد تجربتي بالعمل في الإمارات العربية المتحدة كمهندس استشاري أجد أن الفرق بين العمل في سوريا والخليج العربي يكمن في الإمكانيات والموارد المتاحة.

ومن ناحية أخرى، يختلف العمل بنوعية المشاريع وحجمها ومقاييسها. عملت مع إيفانس وولن Evans Woolen في أكبر متحف للأطفال في إنديانابوليس Indianapolis وفي مكتبة جامعة Indianapolis كذلك. مثل هذه المشاريع لا تتوافر هنا، حيث أن أكبر مشروع عملت به في سوريا كان وزارة الخارجية وهي مشاريع تأتي مرة واحدة بالعمر.

هنا في سوريا يطلب من المعماري التدخل في تفاصيل كثيرة خارج إطار صلب معرفته المعمارية بسبب عدم توافر الدعم التقني والتنفيذي دائماً هذا ما يجعل الأمور أكثر صعوبة عليه لكن بالوقت ذاته يجعل المعماري ملماً.

أخيرا، أتمنى أن يعود التعافي لبلدنا، وأن تستطيع الأجيال القادمة من المعماريين متابعة ما بدأه السلف وتقديم عمارة نابعة من المجتمع محافظة على هويته وملبية لاحتياجاته.

معرض الصور:

فريق الإعداد:

إعداد: م.ضحى النوري و لين وردة
التنسيق: م.ياسمين محمد ماشطه

نشر إلكتروني: محمد أنس رستم اغا

التدقيق اللغوي:م.حنان حداد

مقالات قد تعجبك

1
بين السماء والأرض أم على الأرض؟
image010
فيلا في مدينة الغارف، البرتغال من تصميم ريكاردو بوفيل
cover
نيوم... "مدن الملح" الجديدة
15325224_940421329426074_4552387845940723735_o
التميز في العمارة - لقاء مع المدير المؤسس لجائزة تميّز أحمد الملّاك
الموقع متضمناً البرج السكني وباقي الفعاليات
أبراج الزئبق - معماريو مكتب زها حديد
Screenshot 2024-11-22 105017
معايير وعمليات تخطيط التجمعات السكنية
Scroll to Top