كيفية تصميم فيلا سكنية صديقة للبيئة

المقتطف:

يعد تصميم “الفلل السكنية الصديقة للبيئة” توجهاً مهماً في عالم العمارة الحديثة، يهدف هذا التصميم إلى خفض الأثر السلبي للمباني واستخدام الموارد بشكل أكثر فعالية بالمقابل، بحيث يعتمد تصميم الفلل الصديقة للبيئة على عدة عوامل أساسية تعزز مفهوم الاستدامة البيئية بشكل فعلي وتحقق التوازن بين الطبيعة والإنسان. 

فكيف يتم تصميم هذه الفلل السكنية؟ وما أبرز نماذج هذه العمارة على الواقع؟

أصبح تصميم فلل صديقة للبيئة “Designing an environmentally friendly sustainable home”أمراً مهماً في ظل التزايد السريع للتحديات البيئية والوعي بأثرها على الكوكب، ومن هنا نجد تطلع العديد من المصممين إلى تصميم وبناء منازل يكون لها تأثير إيجابي على البيئة لتعزيز مفهوم الاستدامة، حيث تهدف الفلل الصديقة للبيئة إلى تقديم حلول مبتكرة تجمع بين الأداء البيئي والراحة والجمال في تصميم المنزل، بالإضافة إلى التفكير في البيئة المحيطة واستخدام عناصرها بشكل مناسب مع البناء، يتسم هذا النوع من التصميم بالذكاء والمرونة، حيث يتم تخطيط المساحات وتنظيم المكونات المادية في البناء بشكل يسهم في توفير الطاقة وتحسين تدفق الهواء والضوء.

الاتجاه نحو "صداقة البيئة":

ترتبط المباني بما في ذلك المنازل بمجموعة متنوعة من المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وفي القرن الحادي والعشرين يتوَّقع أن تصبح مشكلتي «تغير المناخ» والمشاكل المالية الناجمة عن «شيخوخة السكان» أكثر خطورة على الصعيد العالمي. و بغية الحد من تفاقم هذه المشكلة تعيّن على قطاع العمارة اتخاذ إجراءات بهدف التخفيف والحد من هذه المشاكل، بما في ذلك تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني واستخدام الطاقة المتجددة، كما وجب على قطاع البناء اتخاذ تدابيرالتكيّف بهدف الحد من الآثار الضارة الناجمة عن تغير المناخ.

 

من ناحية أخرى، يجب تحويل المنازل إلى تلك التي تساهم في الحد من الأمراض والإصابات، والتي تميل إلى الزيادة وفقاً لشيخوخة السكان. يعد استخدام التصميم الشامل في المنازل أمراً فعالاً لزيادة سهولة حركة ساكنيها وكذلك لمنع الإصابات. وينبغي أن تؤخذ هذه الاعتبارات بصورة شاملة في المنازل منذ البداية نظراً لكونها مصممة للاستخدام طويل الأمد.

 

منزل Ecoliv يسحب أشعة الشمس الخفيفة والشتوية، مما يقلل من الحاجة إلى تدفئة إضافية
من المتوقع أن تكون المنازل ذات أثر إيجابي على صحة وسلامة الأفراد ورفاهيتهم، حيث توفر لهم مأوى آمناً من تأثيرات التغير المناخي والظروف الجوية القاسية. فقد شهدت المنازل مؤخراً  تغيرات كبيرة داخلية وخارجية على الصعيدين “المناخي والديموغرافي” وهو ما يعرف بمشكلة ” شيخوخة السكان”، وهذا يشير إلى أن الأنشطة البشرية تؤثر بشكل كبير على المناخ وتزيد من وقوع الظواهر الجوية المتطرفة في حين يزداد متوسط عمر البشر، ولمواجهة هذه التغيرات يجب أن تتجه المنازل نحو الاستدامة مع التركيز الأساسي على التصدي للتغير المناخي وشيخوخة السكان، وتحديد النقاط الرئيسية التي يجب التعامل معها لتحقيق الاستدامة المطلوبة.

لماذا نريد أن نصبح أكثر «استدامة»؟

ييُعتبر تصميم ” فيلا صديقة للبيئة _ Designing an environmentally friendly sustainable home” في الوقت الحاضر مهمة متزايدة الأهمية، حيث يسعى المهندسون إلى تقليل تأثير الإنسان السلبي على البيئة من خلال اعتماد طرق جديدة ومبتكرة، ويبدو أن العديد من الأشخاص قد بدأوا يفكرون جدياً في تحسين منازلهم بحيث تكون صديقة للبيئة وأكثر استدامة، ويمكن تسميتها بمصطلحات كـ”المنازل الخضراء” أو “المنازل المستدامة”. كل من المصطلحات السابقة هي وصف لذات المعنى وتهدف لخلق فراغات معيشية أكثر راحة وأفضل من الناحية الصحية، إضافة إلى أنها تهدف إلى التخفيض من التأثير السلبي على البيئة المحيطة و من استهلاك الطاقة وبالتالي فواتير أقل.

إن الدوافع لاعتماد التصميم المنزلي المستدام عديدة، منها الأسباب الصحية حيث يقول دارين: «قد تعاني بعض العائلات من الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي»، وقد يعيش بعض الأفراد في منازل ذات طابع حراري بارد أو ساخن وهذا يشجعهم على السعي للعثور على حلول مستدامة لمشكلتهم، ومن هنا ظهر لديهم دافع لخلق بيئة صحية خالية من المواد الاصطناعية والمواد المصنّعة. فمثلاً يمكننا استخدام منتجات “low-VOC” (وهي نوع من الدهانات ذات انبعاثات منخفضة من المواد الكيميائية والغازات الضارة) مع مواد طبيعية. إضافة لذلك فإن فكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي تعزز مفهوم الفلل المستدامة من الناحية البيئيّة، كما تُعتبر الأسباب المالية من أهم الدوافع لاعتماد التصميم المنزلي المستدام ، حيث أنها تساهم في تقليل التكاليف المالية المرتبطة بالاستهلاك اليومي كما أنها ترتفع من القيمة المادية لهذه الفلل.

مخطط بياني يوضح نسبة الوفيات الناجمة عن ضربة الشمس خلال السنوات السابقة

كيف نصبح أكثر استدامة؟

قد يأخذ مصطلح الاستدامة عدة مناحٍ وعدة توجهات، فبالنسبة لبعض مالكي المنازل قد تعني الاستدامة تركيب بضع من الألواح الشمسية أو زراعة حديقة نباتية في الفناء الخلفي، أما بالنسبة للمهندسين المعماريين والبنائين في مجال الاستدامة فإن الأمر يتعلق بأكثر من ذلك بكثير؛ كالاستفادة من الكتلة الحرارية للحفاظ على استقرار درجة حرارة المنزل. ما يعد الأمر الأساسي في تصميم وبناء الفلل المستدامة هو اعتماد مجموعة من الخيارات المستدامة المتكاملة وعلى ذلك يمكن استخدام أنظمة الجدران النافذة للهواء لتحقيق تدفق هواء طبيعي وإدارتها بشكل فعال، كما يمكن تجهيز الفلل بخزانات لتجميع مياه الأمطار واستخدامها في الري، كما يُفضل أيضاً استخدام منتجات”low-VOC” للحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة وتلوّث الهواء الداخلي. بالتالي سواء كنت تبدأ من الصفر في بناء منزلك أو تقوم بعمليات تجديد فيجب اعتماد التصميم المستدام للوصول لأفضل النتائج.

تلعب المواد التي نختارها دورًا هامًا أيضًا في بناء الفلل المستدامة، فالمواد خفيفة الوزن والمتينة والجاهزة للاستخدام كالأخشاب المصفحة المصنوعة من طبقات متعددة (CLT)، تُعتبر ذات تأثير إيجابي على سرعة عملية البناء بفضل وزنها الخفيف وإمكانية تجهيزها مسبقاً ونقلها بسهولة إلى موقع البناء، مما يقلل من وقت البناء والتكاليف المرتبطة بها. بالإضافة إلى أنها تتميز بخصائص حرارية جيدة تساعد في توفير عزل حراري إضافي للمبنى مما يقلل من احتياجاته للتدفئة والتبريد وبالتالي يحسن كفاءة استخدام الطاقة.

وهناك أيضاً مادة (Hempcrete) وهي منتج من مادة “بيوكوموسيتية” مقاومة للحريق والنمل الأبيض ومصنوعة من القنب والجير وتوفر هذه المادة خصائص عزل فائقة للصوت، وتحافظ على نقاء الهواء في المبنى كما تمنع الرطوبة والعفن، بالإضافة لتخفيضها من استهلاك الطاقة .

يمكن تجديد المنازل بشكل مستدام لتحقيق مساحات معيشة عملية وأكثر راحة ، خاصة إذا كان هناك صعوبات في تحقيق العزل الحراري وتأمين التدفئة والتبريد فيها . ويعتمد نجاح عملية التجديد المستدام على الاهتمام بالعوامل المختلفة، بدءاً من التكاليف والاعتبارات الاقتصادية وصولاً إلى النتيجة النهائية والتأثير على البيئة المحيطة.

 

أما بما يخص التكاليف فإن تكلفة تجديد منزل مستدام أو بناء منزل مستدام تعتمد على العديد من العوامل مثل المواد المستخدمة وحجم المبنى والموقع الجغرافي، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون بناء منزل صغير في القرى أكثر تكلفة من بناء منزل أكبر في المدينة، نظراً لاستخدام المواد المحلية وإعادة التدوير والتصميم المبتكر. لذلك من المهم مراعاة أن الاستثمار الإضافي في مرحلة البناء قد يوفر بالنفقات المستقبلية الكبيرة في فواتير الطاقة والمياه، لذلك يمكن تحقيق تجديد مستدام للمنازل باختيار المواد المناسبة واتباع الممارسات البنائية الصحيحة.
أما فيما يخص الحد من مخاطر تغير المناخ أي “التكيّف والتخفيف” يعرّف الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ «التخفيف» بأنه: تدخل بشري للحد من مصادر غازات الاحتباس الحراري أو تعزيز مصارفها، وتشمل تدابير التخفيف، حفظ الطاقة وتسخير الطاقة المتجددة، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون عن طريق التشجير. ومن ناحية أخرى يُعرَّف مصطلح «التكيّف» بأنه: عملية التكيُّف مع المناخ الفعلي أو المتوقع وآثاره. كما يسعى التكيف إلى تخفيف أو تجنب التأثيرات الضارة الناجمة عن تغير المناخ.

تهوية المنازل في أقصى شمال كوينزلاند الاستوائية، مثل هذا المشروع خارج الشبكة من قبل M3 Architecture

نماذج عالمية عن الفلل المستدامة:

– إيملي وودهاوس، يوركشاير :
يتميز هذا البناء بالعديد من الخصائص البيئية والتزام مالكيه بتعزيز الاقتصاد المحلي والاستدامة البيئية بدعم الشركات المحلية، أهم ما يميز هذا العقار هو البستنة المستدامة (عملية زراعة النباتات أو تنسيقها بشكل جمالي في الحدائق). ويبرز جمالها من خلال تبني أساليب صديقة للبيئة بشكل متعدد من تشذيب الأشجار واستخدام القطع الخشبية منها لإنشاء أحواض زهور، كما زرعت النباتات المحلية في المناطق المحيطة بالعقار، بالإضافة لاستخدام نشارة الخشب الناتجة عن هذه العمليات في إعادة التدوير واستعمالها لأغراض مختلفة.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع العقار بحدائق ريفية مثالية حوله لتناول الطعام في الهواء الطلق، حيث يتم استخدام المزروعات المحلية لإعداد وجبات الطعام. يساعد هذا النهج على تعزيز التوازن البيئي و يدعم استدامة الممارسات الزراعية المحلية لحفظ التنوع البيولوجي.

فيلا إيملي وودهاوس الصديقة للبيئة، والحدائق الخضراء المحيطة بها

– فيلا سيوتولو، بوليا :
يتميز هذا العقار المستدام بوجود مزرعة عضوية تقوم بإنتاج زيت الزيتون الخاص منها، حيث يعتبر زيت الزيتون منتج عضوي و مثالي للإستخدام في الأطعمة الإيطالية، كما يقوم العقار بتسخين المياه بالطاقة الشمسية ويعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.
من بين الأشياء الأخرى المميزة في هذه الفيلا وجود مناظر طبيعية يمكن رؤيتها من تراسات بانورامية توفر جواً من الراحة والسكينة خصوصاً أن الفيلا في منطقة منعزلة.

فيلا سيوتولو المستدامة، والفناء الواسع المحيط بها

– كاسا بونا فينت، مينوركا :
ما يجعل هذه الفيلا مميزة أنها تحوي العديد من الجوانب البيئية المستدامة منها أنظمة زراعة عضوية متقدمة، بحيث يتم زراعة كروم العنب وأشجار الزيتون وحتى الخزامى في الحدائق بطرق عضوية وصديقة للبيئة، كما تتوفر فيها حديقة خضروات وبستان عضوي لاستهلاك المزروعات في الطهي.
كما يمكن قضاء عطلة مميزة في جزيرة مينوركا باستخدام قارب، وهذه فرصة للتمتع بتجربة مستدامة أثناء استكشاف المياه البحرية والاستمتاع بالجمال الطبيعي للمنطقة.

فيلا كاسا بونا فينت، والبساتين الخضراء والمستدامة التي تحيط بها

معرض الصور:

المراجع:

فريق الإعداد :

إعداد: م. عمر الهادي
التنسيق: م. أيمان عسلية

التدقيق العلمي: م. نور جوانيه
التدقيق اللغوي: م . راما نادر

نشر إلكتروني:محمد ميار الخلف

مقالات قد تعجبك

cropped-9a1bbbb4-2007-4f21-893f-3bc699f9e1d7
مفهوم الفيلا السكنية
Screenshot 2024-08-30 164804
العدد 111
Untitled-1
تقنيات ومواد البناء الحديثة
مقابلة مع المهندس باسم البرغوثي
صورة 1
حوار مع المهندسة رضوى رستم
01-Villa-Rotonda-Palladio
مراحل تطور بناء الفلل السكنية عبر الزمن
Scroll to Top