تأثير ناطحات السحاب على حياة قاطنيها
المقتطف:
بعدما ازداد عدد السكان في العالم وقلّت المساحات الزراعية، لم يعد التوسع الأفقي مجدياً في المساكن، وبدأ التحول إلى التوسع الرأسي، الذي يجعل المساحة نفسها تستوعب عدداً أكبر من السكان ويبدو أنه من الصعب تغيير هذه الفكرة في المستقبل. لم يتوقف الأمر عند التوسع الرأسي، لكن ظهرت ناطحات سحاب شاهقة للسكن والعمل، بعدما كانت الصروح الشاهقة تخص الحكام والديانات والإمبراطوريات العظيمة، ولكن ما هي الآثار الاجتماعية والنفسية والصحية للعيش والعمل في البيئات الشاهقة؟
بدأ الباحثون في جمع بيانات تجريبية منهجية حول الآثار الإيجابية والسلبية للمباني الشاهقة لشاغليها، وأُجري العديد من الدراسات حول هذا الموضوع منها محدودة النطاق ومنها واسع النطاق “على مستوى جامعات عالمية”، بعض النتائج كانت واضحة حول مضار هذه المباني وبعضها قدم نتائج متضاربة. فكانت الكلمة للدراسات المعمارية التي أكدت بأن أضرار تلك المباني أكثر من فوائدها، فحاجتها للوقت الكثير والجهد المستمر طوال فترة الدراسة من إنشاء إلى مقاومة، وفترة التنفيذ على الواقع من أساسات عميقة ودقة في المعايير ومسؤولية ضخمة ، إلى فترة السكن التي لم تثبت أثرها الجيد على القاطنين.
تأثير ناطحات السحاب على الحالة الاجتماعية:
تُعد ناطحات السحاب والمباني المرتفعة واحدة من أبرز سمات المدن الحديثة، والتي تُخفي الكثير من مظاهر الحياة الطبيعية، حيث يجد المرء نفسه يسير في شوارع ميتة كئيبة نادراً ما يجد فيها أشجاراً أو نباتاً، ويجد نفسه محاطاً بالمباني المصمتة الشاهقة. أمثال هذه المدن صُمّمت للسيارات ووسائل النقل والحياة الخالية من المشاعر، من الصعب أن تجد فيها مساحات عامة ليخرج الناس إليها للقاء بعضهم أو قضاء وقت في الخارج،و إن وُجدت تكون في الغالب ميادين مغلقة، لا تشجع على المكوث طويلاً ولا تمنح شعوراً بالراحة فلا يرى الناظر إلى المباني أي مداخل أو نوافذ، مما يجعلها تبدو وكأنها تضيّق صدره ويشعر أنه لا ينتمي إلى هذا المكان. مثل ميدان “لاس ديفاس” المُحاط بمبانٍ شاهقة تبعث على المهابة وعدم الرغبة بالبقاء طويلاً.كلما ارتفعنا بالمباني أكثر سيكون الخروج منها محدوداً، حيث أن الناس في هذه المباني يعيشون حياة مملة ويقضون القليل من الوقت في التجول وممارسة الأنشطة الاجتماعية. على عكس المدن القديمة، التي تعج شوارعها بالحركة والنشاط والتواصل الاجتماعي والمليئة بالحياة بكلّ أركانها.
عندما أُعيد بناء مدينة كرايستشرش في نيوزيلندا رفض سكانها وجود ناطحات السحاب والمباني التي تزيد عن خمسة أو ستة طوابق، وكان الأمر صعباً جداً بالنسبة للحكومة، لما كانت تقوم به هذه الأبراج من نشاطات تجارية واقتصادية للمدينة، لكن بسبب تمسّك السكان بعدم وجودها للحفاظ على الحياة الاجتماعية وطرق التواصل الطبيعية عند البشر أُخرجت مسودة بأن لا يزيد أي مبنى عن سبعة طوابق.
على ما يبدو فشلت ناطحات السحاب في كسب محبة الناس لتصميمها، والمشكلة الكبرى أن الإنسان يشعر أمامها بضآلته، ويتحول ضمنها إلى روبوت بلا مشاعر أو أحاسيس ويقضي حياتاً مليئة بالعمل ومجردة من كل معاني الإنسانيّة.
هل الأبراج السكنية هي الحل الأمثل لحل مشكلة الكثافة السكانية:
ربما تكون ناطحات السحاب حلاً لمشكلة الاكتظاظ السكانيّ ولكنّها ليست الحل الأمثل، حيث أن الأولوية بالتصميم المعماري تعود لراحة البشر وليست تأمين مأوى فحسب، فقد أكدت دراسة بريطانية أن تواجد عدد كبير من السكان ضمن مبنى واحد يثير فيهم شعوراً بعدم الراحة والاستقرار، وعلى هذا لم تقدم هذه المباني لقاطنيها سوى المأوى، وقد سلبت منهم التواصل الاجتماعي والراحة النفسية، كما وأكدت الصحيفة البريطانية في دراسة أجرتها على عدد من السكان ضمن حي سكني تفاعلي وعدد من السكان ضمن ناطحة سحاب فوجدت فرقاً واضحاً عند كبار السن، لتخرج بنتيجة أنّ ناطحات السحاب تسبب الشيخوخة المبكرة، وفي حال استمرّ العمل على بناء ناطحات سحاب بهذه السرعة سينشأ جيل كهل غير قادراً على الإبداع.
قد يُفكر البعض بأن هناك ما هو أهم من جعل العالم مكاناً جميلاً، لكن الحقيقة أن التراجع عن هذا لن يوقف المدن التي يتم بناؤها باستمرار، فبالرغم من وجود الكثير من المشكلات الضخمة في عالمنا فإن بناء المدن لا يتوقف، وسنجد أنفسنا محاطين بمدينة تكبّل أرواحنا.
إن البيئات التي نحيط بها أنفسنا لها قدرة كبيرة في تشكيل أفكارنا ومشاعرنا وتغذية أرواحنا، فالشخص الذي يعيش في مكان رمادي ينقطع عنه ضوء الشمس ومظاهر الطبيعة ويندر فيه التواصل الاجتماعي مع الآخرين، من السهل أن يقع فريسة للاكتئاب واليأس والقلق، وتلك القائمة التي يطلق عليها أمراض العصر الحديث.
معرض الصور
المراجع:
فريق الإعداد :
إعداد: سوزان الحلبي
التنسيق: نص نص نص
التدقيق العلمي: م. آلاء علي
التدقيق اللغوي: م. أحمد ضو
نشر إلكتروني: محمد أنس رستم آغا